رسالة مشتركة بمناسبة ذكرى تأسيس الأمم المتحدة الـ75
رسالة المنسق الخاص للأمم المتحدة السيد يان كوبيش والمنسقة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في لبنان السيدة نجاة رشدي، بمناسبة يوم الأمم المتحدة
يصادف يوم 24 تشرين الأول من هذا العام– يوم الأمم المتحدة –الذكرى الخامسة والسبعون لإنشاء الأمم عاماً المتحدة، وكذلك مرور 75 على الشراكة الراسخة بين الأمم المتحدة ولبنان، أحد أعضائها المؤسسين.
تأتي هذه الذكرى في خضم وقت عصيب بالنسبة لسائر شعوب العالم. لقد أدى وباء كورونا الى تراجع المكاسب التي تحققت بصعوبة في مجال التنمية الإجتماعية والإقتصادية حول العالم. عددٌ أقل من الأطفال يمكنهم الذهاب إلى المدرسة. وأضحى الناس أكثر فقراً وخوفاً. إنه وقت يذكرنا بالقيمة المطلقة لكرامة الإنسان والتضامن العالمي. كما في العام 1945 ،إنه وقت يثبت الحاجة إلى المزيد من التعاون والقيادة والمسؤولية على الصعيد العالمي وعلى نحوٍ أفضل.
لا يمكن الفصل بين الأمم المتحدة ولبنان. لقد ساهم لبنان وشخصيات لبنانية مرموقة في الأمم المتحدة منذ تأسيسها. خدم العديد من اللبنانيين في المناصب العليا وغيرها من المناصب ذات مسؤولية بشرف وكرامة. يساهمون في السعي لتحقيق اهداف الأمم المتحدة في مقر الأمم المتحدة في نيويورك وفي أماكن أخرى وهم يعملون على ملفات وفي مفاوضات هامة، وفي العديد من بعثات الأمم المتحدة السياسية وعمليات حفظ السالم في جميع أنحاء العالم. كما كان ولا يزال عدد كبير من اللبنانيين يعملون في وكالات وصناديق وبرامج تابعة للأمم المتحدة بتفانٍ واحتراف. في كثيرٍ من الأحيان، خلال تاريخهم المشترك، جاءت الأمم المتحدة لمساعدة لبنان على حماية وتعزيز أمنه واستقراره، في مقدمتها اليونيفيل. كما ساعدت الأمم المتحدة لبنان على التعامل مع العديد من التحديات الإنسانية بما في ذلك تلك المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين والآن اللاجئين السوريين. وتعمل الأمم المتحدة مع لبنان على التنمية الخضراء المستدامة وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين وأجندات الحكم الرشيد، بما في ذلك مكافحة الفساد والمساعدة التقنية في االنتخابات. كذلك تدعم الأمم المتحدة السلطات والمجتمعات اللبنانية لمساعدتها على مواجهة جائحة كورونا.
بالنسبة للبنان، لقد كان العام 2020 عاماً من المصاعب المتزايدة والإحباط المتفاقم. إن تفشي فيروس كورونا زاد من حدة الأزمة الإقتصادية التي أدت إلى تظاهرات شعبية واسعة النطاق. بالإضافة إلى ذلك، أدى انفجار الرابع من آب المأساوي، الذي أودى بحياة 193 شخصاً وتسبب بجرح الآلاف ودمّر العديد من المنازل والمتاجر وأماكن ذات طابع تراثي، مرة أخرى إلى تفاقم المخاوف الجدية من الغياب الكامل للمساءلة عن الوضع المؤسف في لبنان وإدارة الشؤون العامة.
إن الأكثر تضرراً من هذه الأزمة المتعددة الأوجه هم الناس: أولئك الذين لهم قصصهم عن الصدمة والإهمال والحرمان وفقدان سبل العيش والمنظور والكرامة، الذين تزداد اعدادهم بسرعة؛ أولئك الذين فقدوا أعزاء لهم ورأوا تلاشي منازلهم ومستقبلهم؛ وأولئك الذين فقدوا الأمل ويجدون أنفسهم الآن غير قادرين على البدء من جديد. هؤلاء هم الأشخاص في طليعة جهود الأمم المتحدة للحد من الإحتياجات واستعادة الأمل والثقة وإعادة لبنان إلى مسار التنمية المستدامة.
هذا وقت حاسم بالنسبة لشعب لبنان وقادته، لا بل لحظة مصيرية. في لبنان أكثر من أي مكانٍ آخر، يجب أن تؤخذ رسائل التضامن والقيادة المسؤولة على محمل الجد. هناك حاجة إلى إرادة سياسية متينة وقيادة حازمة للسير بأجندة إصلاحية ليتمكن لبنان من التعافي بسرعة، تمهيداً لطريق التنمية الطويلة الأمد، حيث يكون الناس دائماً في قلب إعادة بناء لبنان أفضل.
في الفترة القادمة، ستستمر الأمم المتحدة بالوقوف عن كثب مع لبنان وشعبه وستستمر بتشجيع وتسهيل القرارات اللازمة لتحقيق تطلعاتهم المشروعة للمستقبل.
بالنسبة للكثيرين في هذه المنطقة، لطالما تألق لبنان كمنارة للديمقراطية والتعددية والتعايش المتسامح وحرية التجمع السلمي وحرية التعبير والإعلام. هذه العادات اللبنانية القديمة، المبنية على معايير وحقوق الأمم المتحدة، تتعرض للمزيد من الضغط. باتت التجاوزات والانتهاكات تحصل بشكل متكرر، بالإضافة إلى العديد من التحديات في المستقبل. مثل هذا التراجع وهذا التعدي على الحقوق والحريات غير مقبول. على الشعب اللبناني، بدعم من المجتمع الدولي، أن يبقى ملتزماً ومصمماً على النضال من أجل حقوقه ومن أجل تجديد واستمرار تراثه الديمقراطي. وعلى القادة السعي واتخاذ تدابير لحماية وتعزيز هذا النموذج الفريد من العيش المشترك والوحدة في التنوع من أجل إعادة ثقة الناس وأملهم باستقرار لبنان وازدهاره المتجدد.
إن المخرج من الأزمة الحالية معروف جيداً: سيتطلب القيام بإصلاحات هيكلية مجدية وسريعة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والحكم الرشيد بشفافية كاملة والمساءلة وقضاء مستقل كأدوات فعالة في مكافحة الفساد والسير باتجاه مجتمع مدني شمولي خالٍ من المحسوبية الطائفية، حيث الفرص والحماية والحقوق متساوية للجميع بمن فيهم النساء والشباب. يجب الإصغاء الى أصوات نساء وشباب لبنان. يجب أن يكون حضورهم واحتياجاتهم وتطلعاتهم في طليعة عقد اجتماعي جديد يساعد على قيام لبنان أفضل حيث يمكن لجميع المواطنين التمتع بحقوق وفرص متساوية في القطاعين العام والخاص.
لقد دعم لبنان الأمم المتحدة ووقفت الأمم المتحدة إلى جانب لبنان لمدة 75 سنة. وفي هذه الأوقات الصعبة، لا تزال الأمم المتحدة متمسكة بالتزامها تجاه هذا البلد العزيز والفريد وشعبه الشجاع والمجتهد والمرن، لمساعدتهم على إعادة بناء وطنهم وحياتهم وسبل عيشهم من أجل غٍد أفضل وكريم.
***