مؤتمر صحفي إفتراضي حول كوفيد-19 في إقليم شرق المتوسط والاحتياجات والأولويات الإنسانية في لبنان وباكستان
كلمة نائبة المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، المنسقة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية
سيداتي وسادتي من أهل الصحافة، مساء الخير.
بعدَ ستةِ أشهرٍ ونصف تقريباً على اندلاع تفجيرات مرفأ بيروت المُفجعة التي خلَّفَت قتلى وجرحى وأضراراً بالغة في الممتلكات، ما زالت تداعيات هذه المأساة حيّة في وِجدانِنا وأذهانِنا.
ولا يَخفى عليكم أنّ التفجيرات قد وقعت في وقتٍ كان لبنان يعاني بالفعل من أزمات متعدِّدة الأوجُه، تَمثّلَت بانهيارٍ اقتصادي ومالي غير مسبوق أدّى إلى زيادة مستويات الفقر وانعدام الأمن الغذائي، وباستمرار الجمود السياسي بالتزامن مع تفاقم أزمة اللاجئين التي طال أمَدُها، ناهيك عن ظهور جائحة كوفيد-19 التي ساهمت في زيادة سرعة التدهور الاجتماعي والاقتصادي العام.
وفي حين تُعاني جميع القطاعات من آثار هذه الأزَمات المُتسارِعة والمتداخلة، إلا أنَّ القطاع الصحّي في لبنان يُعاني بشكل خاص من الإجهاد المُفرِط. فمع استمرار القيود المفروضة على توفير الإمدادات الطبيّة والأدوية اللازمة، ومع استمرار هجرة الموارد البشرية المؤهّلة في القطاع الصحي، يلوحُ خطرُ انهيار قطاعِ المستشفيات في الأُفُق ويُهدِّدُ نظام الصحة العامة وفُرَص توفير الرعاية الصحية الأوّلية الجيدة.
سيداتي وسادتي،
نشهد اليوم إحدى أكثر الفترات المثيرة للقلق في الوضع الإنساني في لبنان، وهناك خوفٌ متزايد من أن يخرج الوضع عن السيطرة بسرعة، فيدفع الناس – كالعادة - الثمن الأغلى!
نحنُ في صدَدِ العديد من الاحتياجات والأولويات التي تتطلَّبُ جهوداً حثيثة ومنسَّقة وإجراءات عاجلة للسيطرة على هذه الأزمات. فعلى المستوى الإنساني، الاحتياجات هائلة والأولوية الأكثر إلحاحًا بالنسبة لنا الآن هي تنفيذ خطة الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار بالتركيز على "الإنسان أوّلاً" ... وأعني هنا تعافيًا شاملاً يُركِّز على تلبية الاحتياجات الفعلية للفئات الأكثر ضعفاً وفقراً من بين اللبنانيين، واللاجئين، والعمّال المُهاجرين، ويضمن وصولهم العادل وغير المشروط إلى الخدمات الأساسية.
أما في مجال الصحة على وجه الخصوص، فالاحتياجات مَهُولة ومُلِحَّة. إسمحوا لي أن أتطرق هنا إلى الأولويات والاحتياجات الثلاث الأكثر إلحاحًا:
الأولوية الأولى هي الاستجابة لأزمة كوفيد-19. حتى الآن، ساهمت الأمم المتحدة في لبنان بحوالي 140 مليون دولار أمريكي في الاستجابة لـفيروس كورونا من خلال تعزيز القدرات الاختبارية للفيروس، وتوسيع قدرة قطاع الصحة العامة على إدارة الحالات المرصودة، وتعزيز عملية التّواصل بشأن المخاطر المَنوطة بالفيروس وتعزيز المشاركة المُجتمعية في مكافحته، فتنسيق عمليات رصد الحالات ودعم عملية التّلقيح.
وفي إطار هذه الأولوية الأولى، هناك حاجة إلى أربع متطلّبات مُطلَقة، تتمثّل الأولى بزيادة وصول الأشخاص إلى الرعاية الصحّية الطارئة، خصوصاً أنّ عدد الأَسِرَّة المُتاحة لحالات الكورونا لا يزال دون المستوى المطلوب... ثانيًا، هناك حاجة إلى خياراتٍ بديلة لمعالجة فيروس كوفيد-19. وأعني هنا، الحاجة إلى تأمين الرعاية المنزلية لتخفيف الازدحام في المستشفيات، خاصة في حالات العدوى الخفيفة أو المتوسطة... ثالثاً، الحاجة ملحّة لضمان توفير لقاح كوفيد-19 لجميع الفئات السكانية، بما في ذلك اللاجئين. رابعًا، تعزيز المناصرة والدعم لضمان تنفيذ الخطة الوطنية للقاح كوفيد-19، بما في ذلك مراقبة الوصول العادل والمُنصِف للجميع إلى اللِّقاح.
أما الأولوية الثانية التي تَمتَثِلُ أمامنا فهي ضمان استمرارية الرّعاية الصحية كَجِزءٍ لا يَتَجزَّأ من تحقيق التغطية الصحية الشاملة. ويستلزم ذلك ضمان حقّ الناس المَشروع في الحصول على هذه الرعاية. فمع الاختفاء السريع للطّبقة الوُسطى في لبنان والارتفاع الملحوظ في مستويات الفقر، من المتوَقَّع أن يزداد الطَّلب على خدمات الرعاية الصحية الأوّلية المدعومة، بنسبة 25٪ على الأقل خلال النصف الأول من هذا العام. وهذا يتطلّب تأمين الأدوية للحالات المُزمِنَة والأمراض الحادّة، وضمان الوصول إلى الرّعاية الاستشفائية والتشخيص المُتقدّم، وبالتالي الحفاظ على الموارد البشرية، واستمرار تقديم الدّعم الإنساني للاّجئين السوريين والفلسطينيين لضمان وصولهم إلى الرعاية الاستشفائية. هذا بالإضافة إلى تسريع عملية إعادة تأهيل المرافق الصحيّة التي تضرّرت من جرّاء تفجيرات مرفأ بيروت.
المناصرة هي ثالث حاجاتِنا وأولوياَّتنا الملحّة: ويتطلّب ذلك بَذل جهودٍ مكثّفة بالتركيز على الفئات الأكثر ضُعفاً، حتى لا يتم إهمال أحد؛ وتطوير نظام وطني شامل لشبكات الأمان الاجتماعي يضمن التغطية الصحية الشاملة؛ وسدّ الثغرات في الاحتياجات الصحية العاجلة للاستجابة لفيروس كوفيد-19 وضمان استمرارية الرعاية الصحية.
السيدات والسادة من الصحافة،
إنّ التغيير الذي نحتاج إليه اليوم يتطلّب منّا الاعتراف بأنّ للجميع دوراً فاعلاً في عملية تعافي لبنان. وبالتالي، تقع على عاتقنا جميعًا مسؤولية الاستجابة لاحتياجات الناس وإعادة بناء آمالهم في مستقبلٍ أفضل.
من على هذا المنبر، وبتصميمٍ غير مسبوق، نقول ونكرّر: نَحنُ دوماً مع لبنان، ومن أجل لبنان!
وشكراً