قصة
٢١ مايو ٢٠٢٥
إطلالة على عالم الدبلوماسية: كيف أشعلت زيارة إلى بيت الأمم المتحدة الأمل والزّخم في نفوس القادة الشباب في لبنان
في صباحٍ مُشرِق من يوم 13 أيار/مايو 2025، امتلأت أجواء بيت الأمم المتحدة في بيروت بالطاقة والإيجابية، ليس بسبب مفاوضات سياسية أو مؤتمرات صحفية، بل بفضل أحاديث ونقاشات لقرابة 80 طالباً وطالبة في المرحلة الثانوية من التعليم، كل واحد منهم دبلوماسي ناشئ، مفكّر، أو قائد مستقبلي. وقد توافد الطلاب من مدراس مختلفة من ثلاث مناطق جغرافية مختلفة وهي مدرسة رفيق الحريري الثانوية في صيدا، ومدرسة برمانا العالية في المتن، ومدرسة القلبين الأقدسين كفرحباب في كسروان. وعلى الرغم من تنوّعهم، إلا أنّ هدفاً مشتركاً قد جمعهم ألا وهو: اختبار الدبلوماسية على أرض الواقع.نظّم هذه الزيارة مكتب المنسق المقيم للأمم المتحدة في لبنان، بالتعاون مع مركز الأمم المتحدة للإعلام في بيروت، ومكتب المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان. ولم تكن هذه الزيارة مجرد رحلة مدرسية، بل بالأحرى رحلة إلى صلب التعاون الدولي والقيادة الدولية، حيث أُتيحَت لهم فرصة التجوال في أروِقة قاعات الاجتماعات حيث يتم التداول في قضايا السلام والعدالة والتنمية ذات الصلة بلبنان والمنطقة العربية."هذا المكان أصبح مكانكم الآن... كونوا فضوليين... إطرحوا الأسئلة... وعبّروا عن آرائكم قدر الإمكان!"، قالت السيدة نادين ضو، مسؤولة إعلامية في مكتب المنسق المقيم ومكتب الأمم المتحدة للإعلام في بيروت، في كلمتها الترحيبية. ولم يحتج الطلاب إلى مزيد من التشجيع. الفضول يَستَحوِذ على قاعة المؤتمرات الرئيسية في بيت الأمم المتحدةفي جلسة تعارف وتحاور مع السيد عمران ريزا، نائب المنسقة الخاصة للأمم المتحدة، والمنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في لبنان، أظهر الطلاب حماساً وفضولاً ملحوظَين. أكثر من 20 يداً ارتفعت لطرح الأسئلة على السيد ريزا، تعكس جميعها فهماً عميقاً واطّلاعاً واسعاً بالواقع اللبناني المعقّد والقضايا العالمية، في حين تعكس أيضاً مخاوفهم وتطلّعاتهم لمستقبل واعد للبنان. قالت ميساء، 17 عاماً، من مدرسة القلبين الأقدسين كفرحباب: "ما أثار إعجابي هو مدى شفافية وبساطة السيد ريزا. لم يُجمّل أو يُلطّف التحديات المواجَهَة، سواء تلك المتعلقة بالأزمة الإنسانية نتيجة الحرب التي اندلعت العام الفائت في جنوب لبنان أو تلك الخاصة بنقص التمويل، لكنه شدّد في مداخلاته على الأمل الذي يحدوه بالبلاد والعمل الأممي الدّؤوب. كان ذلك مؤثراً."هذا وقد شارك ريزا الطلاب تجربته الشخصية والمهنية مع منظومة الأمم المتحدة على مدار السنوات، مشدداً على أهمية التعاطف، والمرونة، والنزاهة في القيادة. كما تحدّث بصراحة وإسهاب عن التحديات الإنسانية الناتجة عن الأعمال العدائية الأخيرة في جنوب لبنان، وكيف عملت الأمم المتحدة في ظروف استثنائية لتقديم المساعدة للمتضرّرين، والالتزام بالقانون الإنساني الدولي.وفي تغريدة له عقب انعقاد الزيارة، كتب ريزا على منصّة أكس: "ألهمني طلاب نموذج الأمم المتحدة بطاقتهم وفضولهم وإصرارهم اليوم في زيارتهم لبيت الأمم المتحدة في بيروت... كانت أسئلتهم تنمّ عن الذكاء، وأفكارهم جريئة، وأملهم بلبنان راسخ وثابت."من واقع افتراضي إلى مشاعر حقيقيةفي واحدة من أكثر لحظات الزيارة إلهاماً، شاهد الطلاب فيلماً وثائقياً مبتكراً بتقنية الواقع الإفتراضي بعنوان "نحلم بلبنان"، من إنتاج مكتب المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان بالتعاون مع إدارة الشؤون السياسية وبناء السلام في الأمم المتحدة(UNDPPA). وهو فيلم يعكس تطلّعات الناس عبر قصص إنسانية محضة في بلد مزّقته الأزمات. وقد تركت هذه التجربة التفاعلية أثراً عاطفياً بالغاً في نفوس العديد من الطلاب. قال رالف، 16 عاماً، من مدرسة برمانا العالية: "شعرتُ وكأنني أسيرُ في حذاء شخص آخر. لم يكن مجرد فيلم عاديّ، بل أظهر جانباً من لبنان لا نراه عادةً... جانبٌ يغصُّ بالألم، لكن لا يزال مفعماً بالأمل."هذا وأزال بعض الطلاب نظّاراتهم والدموع في أعينهم. "كان مؤثراً جداً، كِدتُ أبكي"، همست طالبة من ثانوية رفيق الحريري في صيدا. "لكنه ذكّرني لماذا علينا الاستمرار في الدفع قُدُماً نحو التغيير." "مهمّة مُمكنة": تعلّم فن التفاوض والدبلوماسية في وقت لاحق، قاد كلّ من الخبيرَين الأمميَّين العاملَين في مكتب المنسقة الخاصة للأمم المتحدة، السيدة باسكال القسيس، والسيد علاء عبد العزيز، الطلاب في عرضٍ شيّق حول نشأة الدبلوماسية الأممية وسبل منع نشوب النزاعات، تبعَه جلسة تفاعلية قائمة على السيناريوهات التي تحاكي مفاوضات حقيقية وصراعات معقّدة تستوجب الحلول الديبلوماسية، بالاستناد إلى الواقع اللبناني. وتمثَّل هذا التمرين بمحاكاة جادة تعكس صعوبة الحوارات التي تدور غالباً خلف أبواب مغلقة.قالت يارا، 16 عاماً، من ثانوية رفيق الحريري: "تعلّمت أن التفاوض لا يعني الانتصار، بل فهم الطرف الآخر، والتوصل إلى تسويات، وإيجاد أرضية مشتركة. أرغب في تطبيق ذلك في حياتي، وليس فقط في نموذج الأمم المتحدة." كسر القوالب النمطية، إعادة النظر بالمعايير الاجتماعيةفي جلسة غنية عُقدَت مع محلّلة البرامج في هيئة الأمم المتحدة للمرأة، السيدة ليان الداني، ناقش الطلاب صوَراً محدّدة تم انتقاؤها لهذه الغاية، تمثل أدوار نمطية جمّة. وكان النقاش صريحاً وواضحاً حيث تناول الطرق المتعارف عليها في المجتمعات العربية والتوقعات الجندرية التي تحدّد حياة الأفراد اليومية في لبنان وغيره من البلدان. "أدركتُ إلى أي حدّ نقبل بانعدام المساواة من دون أن نلاحظ أو ندرك ذلك،" قال أحد الطلاب. "لقد منحني هذا النقاش الوعي والكلمات الضرورية لمواجهة القوالب النمطية المستشرية في مجتمعاتنا." وفي سياق هذه الجلسة، حثّت السيدة الداني الطلاب على التفكير في مختلف بيئاتهم الخاصة، ودَعَتهم إلى اتخاذ الخطوات اللازمة ليصبحوا من بين المدافعين عن المساواة بين الجنسين، وتحدّي القوالب النمطية المتجذرة في المجتمعات، وهو ما دفع بالعديد من الطلاب إلى إعادة التفكير في دورهم المجتمعي والمدني في بناء مستقبل أكثر شمولاً.رسائل أمل، بذور عمل لم تكن الزيارة مجرد مصدر للمعرفة والاطّلاع، بل كانت مصدر إلهام للطلاب. فخلال فترات الاستراحة، شاهد الطلاب مقاطع فيديو توعوية من حملة #لازم_تفرق_معنا التي أعدّها فريق العمل الأممي المعني بالاتصال والمعلومات (UNCG)، والتي تناولت مواضيع حيوية مثل إعادة التدوير، وتغير المناخ، والفقر، وخطاب الكراهية، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقد اعتبر العديد من الطلاب هذه الفيديوهات أنها مرحة وصادقة في آن معاً، تبعث بالرسائل الضرورية لخلق التغيير المرجو عبر خطوات فردية بسيطة."كانت هذه الفيديوهات رائعة ومؤثرة. أوصلت الرسائل بطريقة مَرِحة وذكية لا تُنتسى"، قال أحد الطلاب. "بالتأكيد سأعمل جاهداً على اتخاذ الخطوات اللازمة للمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في مجتمعي."وفي بداية الزيارة، قادَت السيدة سينثيا خوري، مديرة مركز الأمم المتحدة للإعلام بالإنابة، اختباراً تفاعلياً حفّز الطلاب على المشاركة وخلق في نفوسهم الفضول وروح المنافسة الودّية. وقد شمل الاختبار أسئلة مختلفة حول الأمم المتحدة، ومسار الإصلاحات الجارية ضمن مبادرة "الأمم المتحدة 80" الهادفة إلى تحديث المنظمة وجعلها أكثر فعالية في مواجهة تحديات القرن الحالي، هذا بالإضافة إلى إنجازات الأمم المتحدة في لبنان خلال العام 2024، وذلك ضمن محاور "إطار التعاون" الأممي المرتكزة على الناس، والسلام والحَوكمة، والازدهار، والبيئة. ومع اقتراب اليوم من نهايته، رافقت عملية التقاط الصّور، وضحكات الطلاب المتعالية في الأروقة، استراحة قهوة عززت التشبيك بين الطلاب الوافدين من مختلف المدارس والخلفيات. كما تم تزويدهم بالمواد الإعلامية التذكارية حول ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو ما ثبّت عزيمتهم وجدّد إصرارهم على المثابرة في العلم والعمل ليصبحوا صانعي التغيير في مجتمعاتهم. الصورة الأشملتأتي هذه المبادرة ضمن جهود أوسع تبذلها الأمم المتحدة للاستثمار في شباب لبنان بصورة استراتيجية، وهي جهود مختلفة وواسعة النطاق تقودها وكالات الأمم المتحدة من خلال برامج تتمحور حول الشباب، مثل برنامج القادة الشباب (YLP)، وبرنامج قادة الابتكار(GIL)، ومبادرة الشباب من أجل تحقيق الأثر، وغيرها. فالرسالة واضحة: مستقبل لبنان يُبنى ليس فقط في المؤتمرات، بل في عقول وقلوب شبابه.وفي هذا السياق، قال موريس، 17 عاماً: "جئت إلى هنا أتساءل عما تفعله الأمم المتحدة فعلياً. لكن ها أنا أغادر الآن والرغبة تحدوني لأن أكون جزءاً من هذه المنظومة الأممية".في وقت تطغى فيه الأزمات على العناوين الصحفية، شكلت هذه الزيارة الشبابية إلى بيت الأمم المتحدة في بيروت تذكيراً صارخاً بأن الأمل لم يُفقد بعد ... بل على العكس، يزداد مع بزوغ شبّان وشابات قادة يسعون إلى تغيير حقيقي.شاهدوا أدناه فيديو قصير يلخّص الزيارة , filtered_html
