تشكيل مستقبل أكثر استدامة: كيف تُعِد مبادرة التعليم الأخضر العقول الشابة لمواجهة تحديات الاستدامة
يُعدّ بهاء الدين، الطالب الذي زار الغرفة الخضراء التجريبية، تجسيداً حياً لنتائج وتأثير مبادرة التعليم الأخضر في لبنان.
تم تنفيذ هذه المبادرة بالتعاون بين اليونسكو والمركز التربوي للبحوث والانماء (CERD) في جونية، حيث تُسهم الغرفة الخضراء في إعداد الطلاب لمواجهة التحديات البيئية من خلال تزويدهم بالمعرفة والمهارات اللازمة لبناء مستقبل أكثر استدامة.
" إذا كنت سأبني منزلاً في المستقبل، فسيكون صديقًا للبيئة، يعتمد على الطاقة الشمسية وتوربينات الرياح لتلبية احتياجاته من الطاقة دون الإضرار بالبيئة." – بهاء الدين، 14 عامًا
منذ تفعيلها، أحدثت الغرفة الخضراء فرقاً ملموساً، حيث استقبلت في عام 2023 حوالي 525 طالبًا من 21 مدرسة. أما هذا العام، فقد زارها 1582 طالبًا من 70 مدرسة ممتدة على الأراضي اللبنانية، مما يعكس الأهمية المتزايدة للتعليم البيئي. يتعلم الطلاب، مثل بهاء الدين، أساليب عملية لدعم الاستدامة، من خلال تبني مصادر الطاقة المتجددة وإعادة التدوير.
يبدأ البرنامج بتدريب مكثف في الغرفة الخضراء، حيث يشارك الطلاب في أنشطة متنوعة تشمل مفاهيم البناء الأخضر، الطاقة المتجددة، الحفاظ على المياه، القضايا البيئية، والظواهر الفيزيائية، إلى جانب الفنون الثقافية والموسيقى. هذا المنهج الشامل يساعدهم على فهم شامل للاستدامة.
تؤكد يارا قسطنطين، معلمة علوم الحياة، أن "الطلاب تعلموا خلال هذا اليوم كيفية حماية البيئة بطرق بسيطة وفعالة." وتضيف نيفين صعب، معلمة الرياضيات، قائلة: "تعلموا أيضًا طرقاً بديلة لتوليد الكهرباء." أما أمل القيس، المشرفة والمستشارة الصحية، فتقول: "نحن متحمسون للعودة إلى منازلنا وتطبيق كل ما تعلمناه هنا."
هذه الشهادات تعكس القوة التحويلية لمبادرة التعليم الأخضر، حيث يغرس البرنامج في الطلاب والمعلمين حسّ المسؤولية البيئية من خلال تجربة عملية شاملة. فبعد زيارتهم للغرفة الخضراء، يواصل الطلاب تعلمهم من خلال أنشطة مدرسية، ويُمنحون "شهادة التزام" كدليل على تعهدهم بحماية البيئة. هذه الشهادة تمثل تحولهم إلى سفراء للعمل المناخي، وتعزز لديهم الرغبة في نشر الممارسات المستدامة في مجتمعاتهم.
تقول ميسون شهاب، رئيسة قسم التربية وأخصائية برامج أول في مكتب اليونسكو في بيروت: "مبادرة التعليم الأخضر في لبنان، التي تدعمها اليونسكو، لا تقتصر على نقل المعرفة فقط؛ بل تسعى لإلهام العقول الشابة مثل بهاء الدين لتصور وإنشاء مستقبل بيئي مستدام. من خلال تزويد الطلاب اللبنانيين بالأدوات والالتزامات الضرورية للاستفادة من الطاقة المتجددة وتبني الممارسات المستدامة، نمكّنهم من أن يصبحوا بناة مستقبل لبنان المستدام، لضمان غدٍ أكثر خضارًا."
تخطط المبادرة لتوسيع نطاق تأثيرها في المستقبل القريب من خلال تنظيم سلسلة من الفعاليات المهمة. ففي أيلول المقبل، ستستضيف اليونسكو في بيروت تدريبًا لـ48 معلمًا و24 مديرًا من 24 مدرسة، وسيتم تدريبهم على يد خبراء من المركز التربوي للبحوث والانماء (CERD) لتمكين قادة المدارس من دمج الممارسات المستدامة داخل مؤسساتهم التعليمية بشكل فعال.
كما أن العمل على تطوير استراتيجية وطنية شاملة للتعليم الأخضر يسير نحو الاكتمال. بالتعاون مع اليونسكو، يقوم المركز التربوي للبحوث والانماء (CERD) بإعداد سياسة وطنية تهدف إلى تعزيز التعليم المستدام في لبنان. ويشارك في صياغة هذه الاستراتيجية لجنة وطنية تضم ممثلين عن تسع وزارات رئيسية وخمس عشرة منظمة غير حكومية لبنانية تركز على الاستدامة والشباب، بالإضافة إلى وكالات مختصة، والقطاع الخاص، وممثلين عن الأهالي. هذا التعاون يمثل خطوة هامة نحو بناء منهاج موحد لتعليم قضايا التغير المناخي في لبنان.
تشكل مبادرة التعليم الأخضر جزءًا أساسيًا من جهود إعداد الطلاب والمعلمين ومجتمعاتهم لمواجهة التحولات الخضراء والرقمية. من خلال هذه المبادرة، يصبح التعليم أداة فعالة لتعزيز الحفاظ على البيئة، وتمكين الجيل القادم من التصدي للتحديات العالمية الراهنة والمستقبلية.