قائدات التغيير – مايا حداد
مايا حداد، 37 عامًا، أخصائية اجتماعية ومنسقة الخدمات الاجتماعية في منظمة "كفى"، يرتكز عملها على وصول المرأة إلى العدالة الاجتماعية والمساعدة القانونية في البقاع
منذ أن بدأت جائحة كوفيد-19، تبدّلت طبيعة عمل مايا حداد. بصفتها منسّقة الخدمات الاجتماعية في البقاع، تتولى مايا الإشراف على الدعم الشامل للناجيات من العنف، وقد واجهت تحدّيات فريدة، ضمن عملها، في سياق إجراءات الإقفال التي أعقبت انتشار الجائحة.
"بسبب الإقفال التام، نتعامل مع جميع الحالات عن بُعد" تقول مايا. "هذه تجربة جديدة بالنسبة لنا؛ من الصعب حقًا الوصول إلى الناجيات في ظلّ تواجد المعتدين في المنزل معهن. في حال تشاركت الناجية مع المعتدي عليها الهاتف عينه، فعلينا الإتفاق على وقت محدد للاتصال بها." أوضحت مايا أن العثور على ملاجئ مناسبة لاستقبال النساء اللواتي يحتجن إلى مثل هذا الدعم يمثّل تحديًا إضافيًا، في ظلّ وجود متطلبات صارمة تفرضها الملاجئ في ما يخصّ إجراء فحص كوفيد-19 والحجر الصحي.
تتذكر مايا إحدى الحالات، "كنت أتابع حالة امرأة تعرضت لإساءة جنسية وجسدية من قبل والدها. أثناء فترة الإقفال، لم يكن لديها خيار سوى العيش مع المعتدي. على الرغم من أنه توقّف عن الإساءة لها جنسياً أثناء الحجر، إلا أنه أصبح أكثر عدوانيّة بسبب الكبت. لحسن الحظّ، تمكّنت المرأة من الفرار وهي تعمل الآن وتعيش بشكل مستقل."
شملت التحديات الإضافية إغلاق المحاكم - مما جعل العديد من النساء في حال انتظار إلى حين صدور الأحكام المتعلقة بحضانة أطفالهن - والأزمة الاقتصادية الشاملة التي أثرت على خيارات النساء. تقول مايا "بعض النساء اللواتي يرغبن في البقاء قويات ومستقلات لا يجدن الوظائف"، مما يؤثر على قدرة النساء اللواتي يحتجن إلى الهروب من حالات العنف.
منذ تفشي فيروس كوفيد-19 في أوائل عام 2020، تزايدت حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الأسري بشكل كبير في لبنان. أبلغَت قوى الأمن الداخلي عن مضاعفة البلاغات المتعلقة بالعنف الأسري في عام 2020، في سياق ما تصفه الأمم المتحدة بـ "الجائحة المستترة" المنوطة بالإرتفاع العالمي في نسبة العنف الأسري أثناء عمليات الإقفال بسبب فيروس كوفيد-19، والتي تترافق مع جائحة كوفيد-19.
تؤكد مايا على ذلك، مشيرة إلى أن عدد المكالمات التي تلقّتها منظمة "كفى" خلال الجائحة من نساء يطلبن الدعم، بلغ ذروته في حزيران/يونيو 2020. وتشدّد على أن ثلث المكالمات الواردة كانت تتعلق بإساءة عاطفية. "في مجال عملي، تترك كل حالة علامة معينة. على الرغم من أننا نميل إلى التركيز على حالات الاعتداء الجسدي، لأنها تترك ندبات وكدمات، لا يمكننا القول أن هذه الحالات هي الأكثر خطورة. للإساءة العاطفية تأثيرات مختلفة على الحالة النفسية للمرأة. يمكن أن تؤدي هذه الإساءة إلى الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة والقلق مما قد يقلل من تقدير المرأة لذاتها."
من يتعرض للإيذاء ليس الوحيد في المعاناة. لا يتم اختبار الصدمة على نحو مباشر فقط من خلال العنف المباشر وإنما أيضًا من خلال مشاهدته أو التعلم منه - مما يتسبب في آثار نفسية دائمة على الآخرين تكون مماثلة لتلك التي تتعرّض إليها الضحية. ووفق تقرير حديث لـ "هيئة الأمم المتحدة للمرأة"، أفادت النساء وبنسبة 13٪ أكثر من الرجال اللواتي شملهن استطلاع أجري خلال الإقفال المبكر في لبنان، أنهن شاهدن عنفًا مورس ضد امرأة أخرى، في حين أبلغت النساء اللواتي لم يسبق لهن الزواج عن أعلى معدلات في مشاهدة العنف. توضح مايا أن "العنف القائم على النوع الاجتماعي لا يؤثر على الأفراد فقط، بل يؤثر على المجتمع والأجيال القادمة. عندما يشاهد الطفل تعرّض إمه لكثير من العنف، قد تبقى هذه الحادثة في ذهن الطفل إلى الأبد. من المهم زيادة الوعي لكي لا تستمر هذه الأنماط عبر الأجيال."
تعد زيادة الوعي داخل المجتمعات جزءًا كبيرًا من عمل مايا. "في مجتمعنا، لا تتمتع جميع النساء بالفهم الصحيح لمفهوم العنف، لذلك يفتَرضنَ على نحو غير صحيح، أن بعض الكلمات التي توجّه لهن أو حتى بعض الأفعال طبيعية." يتركّز الكثير من عملها حول تغيير الأعراف الإجتماعية ومحاولة عكس ما تسميه "العقلية الأبوية" في المجتمع. "ينبغي لكل امرأة أن تعرف أنها تستطيع الاكتفاء بذاتها، ولا يمكن لأحد أن يسيطر عليها، ولا يحق لأحد أن يأخذ حريتها، ولا يحق لأحد الإساءة إليها بأي شكل من الأشكال."
تشعر مايا أن النجاح والتأثير الحقيقي يكمنان في تلك اللحظات حين تعلم أنها نقلت هذه الرسائل إلى النساء اللواتي تعمل معهن. "عندما ترى/ين أن فكرتك قد تم ايصالها جيدًا لهؤلاء النساء، فإنك تشعر/ين بالرضا عن ما فعلته. إن جميع قصص نجاحنا – في حال تعلّقت بامرأة تمكّنت من الحصول على حضانة طفلها، أو حصلت على حقوقها، أو نالت الحماية من العنف - تشكل لحظات تجعلني أريد أن أواصل عملي."
على الرغم من اعتراف مايا بأن الإقفال أدى إلى زيادة وتيرة العنف القائم على النوع الاجتماعي في لبنان وحدته، إلا أنها تشير إلى أن هذه الآفة كانت موجودة قبل وقت طويل من بدء الجائحة. "الفئات الأكثر ضعفاً لم تولد ضعيفة، أصبحت ضعيفة بسبب العقلية الأبوية في مجتمعنا والقوانين التي لا تحمي المرأة. السبب الرئيسي للعنف القائم على النوع الاجتماعي ليس الإقفال التام - السبب الرئيسي هو عدم المساواة بين الجنسين."
مايا حداد، 37 عامًا، أخصائية اجتماعية ومنسقة الخدمات الاجتماعية في منظمة "كفى"، يرتكز عملها على وصول المرأة إلى العدالة الاجتماعية والمساعدة القانونية في منطقة البقاع. تشرف على جميع القضايا وتحيلها إلى فريق متعدد التخصصات يضم محامين ومحاميات ومعالجين/ات نفسيين/يات ومديري الخدمات الاجتماعية. تهدف منظمة "كفى" إلى القضاء على جميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي وتقديم الدعم الاجتماعي والنفسي والقانوني للناجيات.