سعادة النائب،
السيدات والسادة المحترمين،
يسعدني أن أكون حاضرة معكم اليوم في هذا الحوار - وإن كان افتراضيا- لمناقشة موضوع الأمن الغذائي والنظم الغذائية في لبنان، والتداول في التحديات الذي يواجهها هذا القطاع وتحديد الحلول المستدامة لمستقبل الغذاء في البلاد. هذه المواضيع الحيوية سيناقشها الخبراء باسهاب في مختلف جلسات هذا الاجتماع حيث سيتم جمع التوصيات والاقتراحات في تقرير تعده الأمم المتحدة وترفعه إلى منظمي قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية المزمع عقدها في شهر أيلول/سبتمبر المقبل بقيادة الأمين العام للأمم المتحدة.
لا يخفى عليكم أننا نواجِه اليوم في لبنان تحديات غير مسبوقة على جميع الأصعدة، بما فيها الأمن الغذائي وعدم توفر غذاء متنوع وآمن ومغذٍ للجميع، نتيجة الأزمات السياسية والمالية والاجتماعية والاقتصادية المُتتالِية، بالإضافة إلى تداعِيات جائحة كورونا وانفجار بيروت المدمّر. اللبنانيون، الذين لطالما عرفوا بضيافتهم وتجمع العائلات حول السُفر الغنية والمتنوعة، مهددون اليوم بأبسط حقوقهم- الحق بالحصول على الغذاء الكافي- بسبب الارتفاع المستمر في أسعار السلع والتضخم والبطالة، مما يؤدي إلى تفاقم الوضع المعيشي وزيادة الفقر.
نحن نرى اليوم الأشخاص الذين لم يعهدوا على طلب المساعدة الغذائية من قبل، مصطفون للحصول على وجبات يومية من المنظمات الأهلية التي تقدم المساعدات في هذا الإطار. لم يعد بإمكان العائلات في بعض المناطق اللبنانية تأمين الطعام الصحّي لأطفالهم. حالياً يقبع أكثر من 55 ٪ من المواطنين في الفقر، وقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية بنسبة هائلة بلغت 850٪ في أيار/مايو 2021 مقارنة بعام 2019. فالقدرة الشرائية وصلت إلى أدنى مستوياتها في التاريخ الحديث في لبنان. الناس عاجزة عن توفير احتياجاتها الغذائية الأساسية وتستبدل الوجبات الصحية بخيارات أرخص غير صحية، مما يهدد أمنها الغذائي. إن عدم التمكّن من الوصول إلى وجبات متوازنة ومغذّية يؤدي إلى انخفاض كبير في جودة الحياة. كما ويمكن أن تؤدي عدم القدرة على توفير نظام غذائي صحّي للأطفال، وخصوصاً هؤلاء الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات، إلى إلحاق أضرار جسيمة بنموّهم على المدى الطويل ويعرّضهم لمشاكل صحية خطيرة يصعب حلّها مع تقدمّهم في السنّ.
تعمل الأمم المتحدة في لبنان على بناء القدرة الغذائية على الصمود في مواجهة مكامن الضعف على مستوى الفرد والمجتمع والنظام. وهي تقدّم الدعم للمزارعين والتعاونيات والشركات الصغيرة والمتوسطة على طول سلاسل القيمة. فنحن نركّز، على وجه الخصوص، على دعم قطاع الأغذية الزراعية من خلال دمج التقنيات الغذائية والزراعية المبتكرة. إن تحسين النظم الغذائية يمنع نشوء النزاعات ويساهم في تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة أي القضاء التام على الجوع. كما من شأنه أن يدعم الأشخاص الأكثر فقراً، وأولئك الذين يعتمدون على الزراعة لكسب عيشهم. ويعدّ تمكين مصدر رزق النساء والرجال في المناطق الريفية أمرًا ضروريًا لحماية القوّة الشرائية لأموالهم ولاستقرارهم المالي، خصوصاً بالنسبة للفئات الأكثر ضعفًا بما في ذلك الشباب.
لم يَعُد بإمكان اللبنانيين تحمّل تكاليف النظم الغذائية المعطّلة. وأدى الانهيار الاقتصادي وجائحة كورونا إلى الكشف عن التحديات الحقيقية في البنى التحتية اللبنانية بما فيها هشاشة النظم الغذائية في لبنان في مواجهة الصدمات والذي فاقم انعدام المساواة في المجتمع. فالنظم الغذائية في لبنان تجعل الطعام المغذّي سلعةً فاخرةً، وتمنع صغار المزارعين من تحقيق أرباح لائقة من محاصيلهم وحماية مصدر رزقهم. لذا فإن الحوار المنعقد اليوم يشكل الخطوة الأولى نحو الحلّ الذي يسمح لنا بالتوصّل إلى إجراءات تساعد في بناء نظم غذائية أكثر صحةً واستدامةً وإنصافًا. إنّها فرصة لمعالجة النقص وعدم الاستقرار في النظم الغذائية في لبنان.
من هنا، على الدولة أن تضع المصالح الشخصية على حدة، وتلعب دوراً اساسياً في تصحيح ثغرات النظم الغذائية، من خلال وضع خطة واسعة المدى تعالج أهداف التنمية المستدامة الأكثر إلحاحًا في لبنان. كما وأدعو حكومة تصريف الأعمال إلى عقد حوارات ضمن قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية في أيلول لمناقشة هذه الخطط ممّا يضمن بناء نظم غذائية مستدامة وسليمة.
يجب أن نفكّر في طرق تحويل النظم لكي تأخذ بعين الاعتبار كيفية إنتاج الغذاء في لبنان واستهلاكه. اليوم، وأكثر من أيّ وقت مضى، نحن بحاجة للعمل بسرعة من أجل الشعب اللبناني للتأكّد من أنّ تغيير النظم الغذائية يشكّل تحوّلاً حقيقيّاً نحو استهلاكٍ أكثر استدامةٍ وإنتاجٍ محليٍ واعتمادٍ أقلَّ على الاستيراد.
كما وللقطاع الخاص، الذي يعد أحد المحركّات الرئيسية للنظم الغذائية الناجحة في لبنان، دوراً حاسمًا في الابتكار وإيجاد الحلّ الأمثل للبدء بالإنتاج محلياً مما يساعد على تقليل الاعتماد على الاستيراد ودعم التنمية الاقتصادية على الصعيد المحلّي.
إنّ مشاركتكم في الحوار اليوم والتزامكم بالمضي قدمًا هو مفتاح نجاحه. أنتم جميعكم مدعوون لإيصال صوتكم، وبخاصة الشباب الذين يمكنهم استخدام الابتكار والتكنولوجيا لصالحهم بهدف تحويل النظم الغذائية. حان دوركم لرفع الصوت! فالأمر يتعلّق بحاضركم ومستقبلكم أيضًا. إنّه يتعلق بالجيل القادم. يتعلّق ببناء مستقبلٍ مستدام لبلدكم. يتعلّق ببناء المستقبل الذي تريدونه للبنان. أنتم المستقبل وعلينا أن نستمع إليكم لبناءه. نحن معكم، نحن مع شعب لبنان من اجل مستقبل أكثر استدامة.