بعد مرور عام على انفجار مرفأ بيروت المروّع: كيف أحيت الأمم المتحدة ذكرى يوم 4 آب المأساوي؟
١١ أغسطس ٢٠٢١
في الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت، وقفت أسرة الأمم المتحدّة في لبنان دقيقة صمت حدادًا على أرواح ضحايا الانفجار، وتضامناً مع عائلاتهم والمتضررين منه.
أصبح الرابع من آب يومًأ مشؤومًا سيبقى ذكراه محفورًا في عقول وقلوب اللبنانيين. في هذا اليوم المؤلم، لقيَ 214 شخصًا حتفهم، وأصيب أكثر من 6000 شخص بجروح، كما تحطمت بيوت آلاف الناس وتهدّمت معها أحلامهم وتغيّر مجرى حياتهم. كانت الأضرار والخسائر الناجمة عن هذا الانفجار هائلة لا بل مهولة على مختلف الأوجه، نتجت عن تخزين غير آمن، ولسنوات طويلة، لكميّة هائلة من نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت.
في الذكرى السنوية الأولى لهذا اليوم المُفجِع، اجتمعت أسرة الأمم المتحدّة في لبنان في لقاءٍ مؤثر حدادًا على أرواح ضحايا الانفجار، وتضامناً مع عائلاتهم والمتضررين منه ومع الشعب اللبناني بأسره الذي يرزح تحت وطأة سلسلة من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والماليّة والسياسيّة التي تعاني منها البلاد.
وبهذه المناسبة الأليمة، وقف الجمعُ، من مسؤولين أمميين، وسفراء، ودبلوماسيين مقيمين في لبنان، دقيقة صمت في مرفأ بيروت، في المكان الذي اندلع فيه الانفجار الضخم.
"فلنقف بصمت تكريمًا لذكرى ضحايا هذا الانفجار المروّع، ولنتضامن مع أسرهم ومع الشعب اللبناني أجمع"، قالت المنسقة الخاصّة للأمم المتحدة في لبنان، السيدة يوانّا فرونِتسكا، داعيةً الجميع إلى الوقوف دقيقةَ صمتٍ تكريماً لهم.
من جهتها، غرّدت السيدة نجاة رشدي، نائبة المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، المنسقة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانيّة، في هذه المناسبة الأليمة قائلة: "لن تكون أبدًا دقيقة صمت كافية لتعزية أهالي ضحايا إنفجار مرفأ بيروت. نتأمل اليوم في معاناة وحزن أولئك الذين فقدوا أحباءهم في هذه المأساة الأليمة، وكذلك الناجين، وشعب لبنان بأجمعه. كما ونكرر دعوتنا لإجراء تحقيق سريع ومستقل".
موظفو الأمم المتحدّة: يتضامنون ويتفاعلون مع الذكرى السنوية الأولى للانفجار
في الوقت عينه، وقف موظفو الأمم المتحدة دقيقة صمت في مكاتبهم إحياءً لذكرى الضحايا، وتضامنًا مع عائلاتهم الثكلى، وكذلك مع زملائهم في الأمم المتحدّة الذين فقدوا أيضاً أحباءَهم نتيحة الانفجار.
"لم يعد الرابع من آب يومًا عاديًّا لأي مواطن لبناني. فبالنسبة لي، وقف الزمن في ذلك اليوم"، قالت دانيال عيناتي، أخصائية وطنية ضمن برنامج متطوعي الأمم المتحدة تعمل مع منظمة الصحّة العالميّة في لبنان. "لقد مرّ عامٌ على هذا الحدث المروّع ولكنني ما زلت أعيشه في كلّ لحظة!"، تُضيف بحسرة.
وقفت عيناتي دقيقة صمت مع زملائها في مقرّ منظمة الصحّة العالميّة في بيروت، ثم قالت وعيناها غارقتان في الدموع: "قد تكون جروحنا قد التأمت، ولكن ستبقى ذكرى هذا اليوم الحزين محفورةً في أذهاننا. فلتسترح نفوس الضحايا بسلام أبديّ".
لقد تأذى موظفو الأمم المتحدّة من هذا الإنفجار المميت أيضًا، فقد خسروا أفرادًا من عائلاتهم، وأصدقائهم، كما تهدّمت بيوتهم.
ما زالت رنا داش، مساعدة برامج لدى المنظمة الدولية للهجرة، تذكر تفاصيل ذاك اليوم المشؤوم. لحظة سماعها دويّ الانفجار وشعورها بموجات الصّدمة التي خلّفها، استعدّت رنا لاتخاذ إجراءات فوريّة لمساعدة الناس الذين كانوا بأمسّ الحاجة إليها.. "سمعت صوتَ انفجارٍ قويًّ، تَبِعَهُ موجة صراخ موجعة، ورأيت الزجاج يتطاير في كل مكان. فأخذت مجموعة الإسعافات الأوليّة الخاصة بي وقدت سيارتي إلى منطقة الجميّزة لتقدمة المساعدة. تحطّمت إطارات سيارتي بالزجاج المكسور المتناثر على الأرض... تلك كانت المرة الأولى التي أرى فيها هذا الكمّ الهائل من الدماء... رأيتُ الناس يلتجئون إلى الصلاة وسط الحطام والدّمار وكان هميّ الوحيد أن أضع حدّاً للنزيف الذي كان يعاني منه المتضررون، وإنقاذ حياتهم."
أمّا إيلي منصور، وهو مهندس أعلى ورئيس وحدة التخطيط والتصميم الحضري في لبنان في برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، فكان أيضاً من بين الناجين من انفجار مرفأ بيروت في صفوف موظفي الأمم المتحدة. "اهتزّ المبنى بأكمله وبدأتُ بالصلاة عند وقوع الانفجار. دقّت أجراس الإنذار وتحطمت النوافذ بالكامل وتدمرّ المكتب... فما بقي منه إلّا الحطام." قال إيلي وهو يتذكر أسوأ اللحظات التي شَهِدها في ذلك اليوم. "أعلم الآن أن قصتي لا تُقارن بالذين فقدوا حياتهم أو تغيّرت بالكامل في 4 آب 2020، ولكن كان ذلك اليوم درسًا علّمني أنه حتى في أصعب لحظات حياتنا، لا بدّ من أن يسود الأمل"، أضاف إيلي والعزم يَحدوه للبقاء متفائلاً رغم كلّ الصعوبات التي يواجهها لبنان.
موقف مشترك من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومجموعة البنك الدولي في ذكرى انفجار مرفأ بيروت
تم إحياء ذكرى انفجار مرفأ بيروت أيضاً من قبل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومجموعة البنك الدولي في لبنان، وهم شركاء في إعداد وتنفيذ إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار الذي وضعوها سويّاً إستجابةً للانفجار ولتداعياته الملحوظة. ويهدف هذا الإطار إلى الانتقال سريعاً نحو تعافي لبنان من أزماته المتتالية بالتركيز على الحوكمة، والحماية الاجتماعية، والتماسك الاجتماعي، والإدماج، والصحة، والتعليم، والإسكان.
"بعد 365 يوماً، ما زال الشعب اللبناني ينتظر العدالة التي وعد بها صنّاع القرار في البلاد... بعد 365 يوماً، ما زال التحقيق متعثراً في ظل غياب قضاء مستقل فعلاً، قادر على وضع حد للتدخلات السياسية... بعد 365 يوماً، نكرر دعوتنا إلى إجراء تحقيق فعّال ومستقل وشفّاف يمنح العدالة للضحايا ويحقق السلام لعائلاتهم..."، كتبت رشدي في مقال نُشر في وسائل الإعلام المحليّة في ذلك اليوم، مع سفير الإتحاد الأوروبي في لبنان، رالف طرّاف، والمدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي، ساروج كومار جا.
بعد مرور عام على الانفجار، تواصل العائلات المكلومة نتيجة الانفجار السعي إلى تحقيق العدالة وكشف الحقيقة لأحبائها. وتكرر في هذا الإطار الأمم المتحدة دعوتها إلى إجراء تحقيق سريع ومستقل ومحايد يمنح العدالة لضحايا الانفجار ويضمن حق العائلات في الانتصاف والتعويض.
مؤتمر لدعم الشعب اللبناني
تأكيدًا على دعمها المتواصل للبنان، وبعد مرور عام على انفجار مرفأ بيروت المروّع، ترأست الأمم المتحدة وفرنسا مؤتمراً دولياً يُعنى بحشد الدعم والمساعدات إلى الفئات الأكثر حاجة من بين اللبنانيين ومنع حصول "كارثة إنسانيّة". واستجاب هذا المؤتمر لنداء إنساني للأمم المتحدة بقيمة 370 مليون دولار أمريكي تقريباً لتغطية مساعدات طارئة في الأشهر الـ 12 القادمة. ويهدف هذا النداء الجديد إلى إنقاذ الأرواح وتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحًا في مجالات الأمن الغذائي، والمياه، والصرف الصحي، والصحة، والتعليم والتي تستهدف جميعها الفئات الأكثر فقراً من بين اللبنانيين والمهاجرين.
ومع ذلك، "لا يمكن أن تقدّم هذه المساعدة الإنسانية حلاً طويل الأمد"، بحسب البيان الصادر عن المشاركين في المؤتمر الدولي الذي دعا أولاً إلى تشكيل حكومة مستعدّة وقادرة على تنفيذ الإصلاحات الموعود بها منذ مؤتمر سيدر 2018، وإلى استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وإلى الاستهلال بالتحضيرات لانتخابات شفافة ونزيهة في عام 2022.
وجدّد المشاركون في المؤتمر التزامهم الرّاسخ بدعم شعب لبنان وعبّروا عن إصرارهم لـ: "الاستفادة من جميع الأدوات المتاحة لتقديم الدعم المباشر للناس". ولكنهم أوضحوا أنّ المساعدة الاقتصادية والماليّة الهيكليّة تتطلب من القادة السياسيين تغييرات جذرية من جهتهم.