دولة رئيس مجلس الوزراء السيد نجيب ميقاتي المحترم،
معالي السيدة والسادة الوُزراء المُحتَرَمين،
سعادة السفيرات والسفراء المحترمين،
الزّملاء الأعزاء من مختلف وكالات الأمم المتحدة في لبنان،
السيّدات والسادة مكاتب التحرير والإعلام المحترمين،
بِدايَةً، إسمحوا لي أن أتقدَّم مرةً أُخرى بِأَحَرّ التَّعازي لِأهالي ضَحايا الحادِث المَأساوي الذّي وَقَعَ يَوْم الأحدِ الماضي قُبالَةَ ساحِلِ طَرابْلُس الذّي شَهِدَ غَرَقَ أفراد، مِنْ بَينِهِمْ أطفال، دَفَعَهُم اليَأْسُ إلى القِيام برِحْلَةٍ خَطيرَةٍ بَحْثاً عَن حَياةٍ كَريمَة.
وفي ظِلِّ هذِهِ التَّطَوُّرات المُحْزِنَة، لا بُدَّ من التشديدِ على الدَّورِ الرِّيادي والحَيَوي الذي يَضطَلِعُ به الجيش اللبناني في سبيل صَوْن الوِحدَةِ الوَطَنِيّة وَحِمايَةِ السِّلْم الأَهْلي في البلاد. فالجيش اللبناني، بِتَماسُكِهِ الفريد، هو اليوم الضَّمانة للأَمن والاستقرار في لبنان.
أيها الحضور الكريم،
عُنوانُ لقائِنا اليوم هو العَمل معاً على وَضعِ لُبنان مِن جَديد على سِكَّةِ التنمية!
حانَ الوَقْتُ للُبنان، الذّي لَطالَما تَغَنّى سابقاً بِتقَدُّمِهِ التَّنموي والثقافي والعِلمي، أن يَعودَ إلى مَسارِ التنميةِ المستدامة. لُبنان يَمُرُّ اليوم بمُنعَطَفٍ حاسمٍ يَستَوجِبُ مُضافَرَة كُلِّ الجهود لِوَضْعِ حَدٍّ للعَقَبات والتّحدّيات التي تُقَيِّدُ تَقَدُّمَهُ نحو أهداف التنمية المستدامة ونحو تعافيه.
صَحيحٌ أنَّ لُبنانَ لا يَزالُ يَتَخَبَّطُ في أزماتٍ لَمْ يَسبِق لها مثيل، وأنَّ الاحتياجات الإنسانية لا تَلبَث تتزايد. ولكن لا يُمكِنُنا الاستمرار في إيجادِ الحلول القصيرة الأمد لإنهاء هذه الاحتياجات الإنسانية، بل نحتاجُ إلى حُلولٍ مُستَدامَة تُعالِجُ الأسباب الجَوْهَريَّة الكامِنَة وراءَ الأَزَمات المُتراكِمَة التّي يَرْزَحُ تَحْتَ وَطأَتِها لُبنان. وهذا يَتَطَلَّبُ نَهْجاً تنموياً إستثنائياً.
أُشيرُ هنا إلى "تَنميةٍ طارئة" كمَرْحَلَةٍ انتقاليَّةٍ لتحقيق التنمية المستدامة، تُساعِدُ على وَضعِ حدٍّ للاحتياجات الإنسانية... أتكلّمُ هنا عن تنمية طارئة تَضَعُ حَدّاً للرُّكود الاقتصادي الذي طالَ أمَدُهُ، وتُشكِّلُ حافِزاً مُمَكِّناً لنُمُوِّ البلاد وضَمان ازدهارِهِ ... تنميةٌ طارِئة تَسْتَدْعي سُرعَة فائِقَة في تنفيذِها بِقَدْرِ أَهَمِّيةِ وسُرعَة المُساعَدَة الإنسانية الطّارِئة التي لم نتوقَّف عن تأمينِها استجابةً لأَزَماتٍ تَتالَت عَلى شَعْبٍ يُشَكِّلُ الكَنْزَ الذي لا يَنضُب في لبنان.
إِنَّ هذه التنمية تَتَطَلَّبُ قَبْلَ كُلِّ شَيء التزاماً قوياً وحازماً من كافة الأطراف. تَتَطَلَّبُ قِيادَةَ، وإرادَةَ، والتزامَ الحكومة اللّبنانية بِتَنفيذِ الإصلاحات وبِتَبَنّي مُختَلَف مُكوِّنات التنمية في سياساتِها وقراراتِها، بما فيه الخير لِلُبنان وللشَّعب اللبناني. ولذلك، وِحْدَتُنا هي مُنطَلَقُ الإنجاز هنا! فَلِكُلٍّ مِنّا دَوْرٌ حَيَويٌّ نُؤدّيهِ في هذا المسار: مِن حُكومَةٍ إلى هَيئاتٍ أُمَميَّة، فَمُنَظَّمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، والبرلمان، والبلديات، والأوساط الأكاديمية، والمؤسَّسات الماليّة الدُّوَلِيَّة، ووسائِل الإعلام، وَالجِهات المانِحَة.
أيها الحضور الكريم،
لَمْ يَأْتِ إطار التعاون هذا مِن عَدَمْ... فأَهَمِّيَّةُ هذا الإطار أنه ارتَكَزَ على عَمَلِيَّةٍ تَشارُكِيَّةٍ شامِلَة اسْتَنَدَت إلى سِلسِلة من المُشاوَرات المُكثَّفَة مع مجموعةٍ واسِعَة من أَصْحابِ المَصْلَحَة الوَطَنِيّين والدُّوَلِيّين، مِنْ مُنظَّمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، والحكومة اللبنانية، والجِهات المانِحَة، والقِيادات الدِّينية. حتى الشَّعْب اللّبناني كانَتْ لَهُ فُرْصَةَ إيصال صَوْتِهِ عَبْرَ شَبَكاتِ التّواصُل الاجتماعي.
أَرْبَعُ رَكائِز أساسِيَّة تَمَحْوَرَتْ حَوْلَها الأَولَوِيّات التي تَمَّ تَحديدُها بِصورَةٍ تَشارُكِيَّة، هي: (1) الإنسانُ أوَّلاً،
و(2) البِيئة، و(3) الازدِهار، و(4) السَّلام. وَهْيَ تُؤَطِّرُ الأولويّات الاستراتيجية الأربَع التي ترتَكِزُ بإيجاز على:
(1) تحسين حَياة ورَفاهِيّة كُلّ شعب لبنان؛ و(2) تحسين القطاعات الإنتاجية وتعزيز فُرَص سُبُل كَسْبِ الرِّزْق بطريقة شامِلَة ومُعَزَّزة؛ و(3) ضمان مُجتمعاتٍ سِلميَّة وشاملة؛ و(4) تعزيز التَّعافي البِيئي والتَّخفيف مِنَ المَخاطِر البِيئية.
ولكن تَبقَى الإصلاحات مِفتاح تَحقيق هذه الأولويات، وأَساس نَجاح عَمَلِيَّة تنفيذ إطار التعاون، وفي صميمِ الدَّعْم الذي نَتَطَلَّعُ إليه. وأُجَدِّدُ هُنا دَعوَتي إلى ضرورة تَبَنّي الإصلاحات في أَسرَع وَقتٍ مُمْكِن خِدْمَةً للشَّعب وتَسريعاً لِعَجَلَةِ التّنمية في البِلاد.
اليوم هُوَ يَوْمٌ مُهِمٌّ جداً نُجَدِّدُ فيه سَنَوات من التعاون المُسْتَمِرّ بين منظومَة الأمم المتحدة والحُكومة اللبنانية، من خلال إطار تعاون جديد. نَجتَمعُ اليوم والأمَلُ يَحْدُونا بِتَحْقيقِ مُستَقْبَلٍ أَفضَل لِلُبنان وشَعْبِه، وَنَضَعُ نُصْبَ أَعْيُنِنا التزاماً مُشْتَرَكاً نُجَسِّدُهُ في تَوْقيعِنا اليوم على هذا الإطار الذي يرتَكِزُ على الإنسانِ أوَّلاً ويُجَسِّدُ روحَ الشَّراكَةِ التّي هي في صَميمِ خِطَّةِ التنمية المستدامة لعام 2030 التي التَزَمَ لُبنان بِتَنفيذِها من دون إهمال أحد.
السيدات والسادة، الشركاء الأعزاء،
نَشْهَدُ اليوم على بِدايةٍ لِفَصْلٍ جَديدٍ من العَمَلِ الدّؤوب والجِدّي مع المؤسسات العامة ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص والشُّرَكاء، بِهَدَف تَرْجَمَة هذه الأولويات الاستراتيجية إلى خُطَط عَمَل مُشترَكة تَصُبُّ في إطار أهداف التنمية المستدامة وتَعودُ بالفائِدَة على لبنان وشَعْبِه. وليسَ لَدَيَّ أدنى شَكّ أننا سَنعمل معاً، بِقَلْبٍ واحِدٍ وفِكرٍ واحِد، وبمسؤولِيَّةٍ مُشْتَركة ومُحاسَبة مُتبادِلة، على تحقيقِ كُلّ ما تَتَطَلَّبُهُ عَمَلِيَّة تعافي البلاد وتَنْمِيَتِهِ المُستدامة.