دولة رئيس مجلس الوزراء السيد نجيب ميقاتي المحترم،
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة،
الحضور الكريم،
يُسعدني كثيراً أن أكونَ حاضرة معكم اليوم لإطلاق الاستراتيجية الوطنية لإصلاح الشراء العام في لبنان، التي لطالما شكّلت أولوية مُلِحّة في مسار الإصلاحات التي نَتَطَلَّع إليها جميعاً لتحقيق تعافي لبنان ونهوضِهِ.
يَطيبُ لي بدايةً أن أُنوِّهَ بالجُهود المُتضافِرَة والتَّعاوُن المُطَّرِد بين كافة أصحاب المصلحة والخبراء الدوليين في إعداد هذه الاستراتيجية، بدءً من تقييم المشتريات العامة وصولاً إلى القانون الجديد للشراء العام الذي تم التصديق عليه العام الفائت، فإعداد الاستراتيجية الوطنية التي نحنُ في صَدَد إطلاقها اليوم والتي، برأيي، هي خيرُ مثالٍ على شموليتها واستنادها إلى مبدأ تشاركي ساهم لا مَحالَ في ولادتها.
بالإنابة عن منظومة الأمم المتحدة في لبنان، أودّ التعبير عن مدى فَخرنا واعتزازِنا بهذا الإنجاز المهم بعدَ طولِ انتظار. ولكن، فلنكُن واقعيين، لا يزال الدَّربُ طويلاً ولا تلبث الخطوة الأكثر أهمية الآن تتمثَّل بحشد الزَّخم المطلوب وضمان الإرادة السياسية المُشتركة لوضع هذه الاستراتيجية مَوضِعَ التنفيذ وإيلائها الأولوية القُصوى بين مختلف السّلطات المحلية والمؤسسات العامة وبالتالي ضمان تقدُّمِها في المسار الإصلاحي.
إن الأهمية التي يضطَلِعُ بها إصلاح نظام المشتريات العامة معروفة جيداً ولا مجال للتشكيك فيها. فهو كفيلٌ بتعزيز الحَوكَمة الرشيدة في البلاد، والحدّ من الاحتيال والفساد، وَتحسين إدارة صرف المال العام، كما يعزِّز من الفعالية من حيث التكلفة والكفاءة. ويشكل ذلك أيضاً خطوة مهمة نحو مسار تعزيز الشَّفافية الإدارية، وضمان أعلى جودة بأفضل الأسعار، وهي جميعُها تَصُبُّ ضمن المطالب الدولية الأساسية لأيِّ تمويلٍ أو لاستقطاب أيّ استثماراتٍ أجنبية في لبنان. ولكن الأهم من ذلك كلِّه هو أن يتم تطبيق قانون المشتريات العامة بِصورةٍ شاملة ومتكاملة، واحترام مبادئ النزاهة والشفافية والمساءلة والعدالة والإنصاف والمساواة!
أصحاب المعالي والسعادة، السيدات والسادة الكرام،
إنّ الأزمات الحالية المتتالية والاستثنائية التي تَعصُفُ بلبنان تتطلّبُ اعتماد نهج جديد في طُرُقِ العمل، ورؤية شاملة ترتكز على الإصلاح والشمولية والعدالة الاجتماعية. فالشعب قد سَئِمَ وضاقَ ذَرعاً من الوعود الزائفة والأوهام، يريدُ أفعالاً وخطوات معروفة لتحقيق التعافي والإصلاح! وهذه الاستراتيجية هي خطوة حميدة في هذا المسار، فَلنَعمَل على حَشدِ المزيدِ من الدَّعم وتعزيز الجهود لتحسين فُرَص نجاحِها.
ولكن، إسمحوا لي أن أشيرَ هنا إلى أنّ إصلاح الشراء العام لا يتطلّب فقط أن يتم تحقيقَهُ بشفافية تامّة، بل يجب أن يُنظَر إليه أنه -بالفعل- نظامٌ شفّافٌ ومُتاحٌ للجميع. لماذا؟ لأنّه يُشَكّلُ أيضاً ركيزةً أساسيةً لعقدٍ اجتماعي جديدٍ بين الدولة ومواطنيها، في مرحلةٍ يَقفُ فيها لبنان عند مُفترَق طُرُق، يَتَرَنَّحُ تحتَ ثِقل أزمةٍ اقتصادية واجتماعية لم يَسبِق لها مَثيل والتي تُثقِلُ بالأخص كاهِلَ المُواطِن اللبناني.
ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ المشتريات العامة يمكن أيضاً أن تُؤدّي دوراً استراتيجياً أكبر لجهة تحقيق أهداف التنمية المستدامة الـ17، ومأسَستها باعتماد مفهوم "الاستدامة" التي تأخذ في الاعتبار التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تُواجِهُها البلاد بصورةٍ مُتَكامِلَة؛ وهو ما يساهم في تحديد مسار تحقيق التعافي الاقتصادي للبلاد.
وبالتالي، إسمحوا لي هنا أن أُجدّدَ دَعمَ أُسرة الأمم المتحدة في لبنان - بالتعاون مع المجتمع الدُّوَلي والمدني المُشارِك في تنفيذ إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار – على مساعدة المؤسسات العامة والجهات المعنية بالرقابة لتحسين أدائها في مجال الإدارة العامة وتعزيز نتائجها الإيجابية. كما سنواصل تيسير التعاون بين مختلف الهيئات الأُمَمِيّة بما يخدُم عملية تنفيذ الأجندة المُشتركة لإصلاح الشراء العام في لبنان.
لكن، هذا بالطبع لا يعني أنَّه سينحَصِر دعمُنا على عملية إصلاح نظام المشتريات العامة فقط، بل سنَحرُصُ أيضاً على الترويج لمفهوم "استدامة" الشراء العام ودعم مسار تحقيقه بالتوازي مع الأهداف العالمية، لما لها من فوائد حميدة ليس فقط للدولة اللبنانية، ولكن أيضًا للشعب اللبناني والاقتصاد اللبناني على المدى البعيد.
الحضور الكريم،
إسمحوا لي أخيراً أن أُشيدَ بالجهود الملحوظة التي قام بها معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي وبقيادته المتميزة في مسار إصلاح منظومة الشراء العام على المستوى الوطني. فحِيادُ هذا المعهد ومهاراته الفنية وتَخَصُّصاتِهِ العالية المبنية على الدلالات والمُعطَيات والقرائن، بالإضافة إلى دورهِ الريادي في الرّبط بين صانعي القرار والمجتمع المدني، إنما هو جديرٌ بالمديحِ والتقدير والشكر.
هنيئاً لكم وهنيئاً للشعب اللبناني على هذا الإنجاز، الذي يشكِّلُ خطوة أولى فعّالة في مسارٍ واعِد من الإصلاحات والاستثمارات والتقدّم المُطَّرِد في القدرة التنافسية في بلدٍ لطالما تَغنّى بقُدُراته المعرفية والتجارية والحضارية.
أتمنّى لكم جميعاً كلَّ النَّجاح والتَّوفيق في هذه السنة الجديدة، عَلَّها تكون بدايةً جديدة تُمهِّد لتعافي لبنان القريب من أزماته المتراكمة وتَعِدُ بمُستَقبلٍ مُشرق لشعبِهِ المُناضِل.
وشكراً.