تدعم مبادرة مشتركة لوكالات الأمم المتحدة في لبنان خلق فرص عمل مراعية للنوع الاجتماعي في قطاع الأغذية الزراعية في لبنان.
رمزيّة حمود، 52 عاماً، هي مزارعة لبنانية من قرية نمرين في محافظة عكار، في شمال لبنان، وهي تبعد 119 كلم عن بيروت. في الثالثة والثلاثين من العمر، واجهت رمزيّة مأساة فقدان ابنها البالغ من العمر ثلاث سنوات. بعد أن تملّكها اليأس، لجأت إلى الزراعة للتغلّب على حزنها بطريقتها الخاصة، والحال انها وجدت الأمل في انبات الحياة في التربة.
انضمّت رمزيّة أخيراً إلى تدريب على تخطيط الأعمال الذي يستهدف النساء العاملات في قطاع الفواكه والخضروات والمكسرات في شمال لبنان، والمنفّذ من قبل "الرابطة اللبنانية لسيدات العمل"، وهي جمعية لا تبغى الربح تهدف إلى دعم النساء في مجال الأعمال التجارية والنساء رائدات الأعمال. بدعم من "هيئة الأمم المتحدة للمرأة"، يأتي هذا التدريب ضمن برنامج الأمم المتحدة لتنمية القطاع الإنتاجي، الممَوَّل من الحكومة الكندية والمنفّذ من قبل ست وكالات تابعة للأمم المتحدة، وهي: منظمة الأغذية والزراعة، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واليونيسيف، ومنظمة العمل الدولية، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة.
كان ابني يلعب مع أصدقائه على سطح منزلنا. كانوا يركضون ويلعبون في كومة من الرمل عندما انزلق ابني وسقط من السطح ليلقى حتفه.
خلال الأشهر التالية، لم أستطع النوم أو التوقف عن البكاء. لم أستطع أن أستوعب ما حدث. كيف يمكن لطفلي، الذي كان قبل برهة يأكل ساندويش الجبنة الذي حضرته له، أن لا ينام بجانبي بعد الآن؟ كنت في حالة من الذهول واليأس. كان زوجي داعماً كبيراً لي. لقد تشاركنا الحزن وساعدنا بعضنا البعض في التغلب على خسارتنا الهائلة وشعورنا الغامر بالذنب.
ساعدني العمل في الزراعة على التغلب على حزني. لبثت في العمل كمزارعة أكثر من ثلاثين عاماً. منذ أن كنت طفلة ، اعتدتُ الاستيقاظ في السادسة صباحاً خلال الصيف وقضاء وقتي في الحقل أزرع وأعتني وأحصد الفواكه والخضروات الموسميّة. والحال اننا نقوم بزراعة الطماطم والخس والملفوف والتفاح والإجاص والفراولة وغيرها.
بينما كنت لم أزل في حالة حداد، رحتُ أزرع البذور لأشاهد حياة جديدة تنمو أمام عينيّ. ساعدتني رؤية الفواكه والخضروات تنبض بالحياة على النجاة من الألم الشديد. الفراولة هي الفاكهة المفضلة لي، أهوى خصوصاً زراعتها وحصادها. أستخدمها في كل شيء: في مخفوق الحليب والكيك والسلطات أيضاً.
كنت أعمل في الأرض مرتدية حذائي المطاطي أو ملابسي الموحلة، وكنت أسمع تعليقات جيراني اللاذعة. كانوا يقولون: "هل انتهيت من أن تكوني رجلاً اليوم؟" في بعض الأحيان أزعجتني تعليقاتهم، ولكن في معظم الأحيان، لم أهتمّ، لأنني مقتنعة بأن العمل ليس مخجلاً أبداً. أنا فخورة بنفسي وبكل ما أنجزته حتى الآن.
كنت متحمسة للانضمام إلى التدريب على تخطيط الأعمال الذي وفّرته "الرابطة اللبنانية لسيدات العمل" لأنني مقتنعة أنه سيوسع معرفتي ومهاراتي في قطاع الأغذية الزراعية. بالفعل أتمّ التدريب ذلك ومكنّني على مستويات مختلفة، حيث أصبحت أكثر قدرة على الكلام في الشؤون التي تعنيني وثقة بالنفس للتعبير علانية عن أفكاري وآرائي. أدركت أيضاً أنني متمرسة في مجالي وأن قناعاتي مهمة. لقد طورت صداقات لا تُنسى، وتعرفت على مجتمع يضمّ صاحبات تجارب مماثلة في العمل في الزراعة.
خلال التدريب الذي استمر خمسة أيام، تعلمنا كيفية القيادة والعمل الجماعي والتعامل مع النزاعات الشخصية والجماعية. تعلمنا أيضاً كيفية إنشاء هوية تجارية شخصية لمنتجاتنا، وكيفية التواصل، وتقنيات المبيعات.
شجعني هذا التدريب على بدء مشروعي الخاص وهو كناية عنمتجر أغذية محلي الصنع يغطّي نطاق عكار ومناطق مختلفة في لبنان. أريد أن يتذوق الجميع من أنحاء البلاد كافة طعم منتجات عكار من خلال الأغذية المزروعة والمُنتجة عضوياً. أنا متفائلة ولدي أفكار طموحة للمستقبل، ولا يسعني الانتظار أكثر لتنفيذها. من مأساة فقدان طفلي إلى بدء عمل تجاري جديد للأغذية الزراعية، أشعر بالفخر بما حققته."
رمزية هي واحدة من 600 امرأة يعملن في الزراعة والأغذية الزراعية وشاركن في تدريب "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" على القيادة، والتنمية الشخصية، والمهارات الإدارية، والأعمال التجارية. يتم تنفيذ مشروع "قوى - تأهيل وتمكين المرأة في الزراعة" من قبل الرابطة اللبنانية لسيدات العمل في إطار برنامج الأمم المتحدة لتنمية القطاع الإنتاجي المنفذ لمدة 3 سنوات وبتمويل من الحكومة الكندية. تم إطلاق البرنامج في حزيران/يونيو 2020 ويستمر حتى حزيران/يونيو 2023، ويتم تنفيذه من قبل اتحاد ست وكالات تابعة للأمم المتحدة، ويهدف إلى دعم خلق فرص العمل المراعية للمنظور القائم على النوع الاجتماعي والمساعدة في خلق فرص اقتصادية في قطاعي الزراعة والأغذية الزراعية في لبنان.