موجات الصدمة: بعد مرور أشهر على انفجار مرفأ بيروت المدمّر، ما زال سكان بيروت يتعافون من تداعيات الصّدمة
٠٦ يناير ٢٠٢١
في الرابع من آب ٢٠٢٠، شهدت بيروت أكبر انفجار شهده القرن الحادي والعشرون. في ضوء هذه الكارثة، تضافرت جهود الأمم المتحدة وشركائها المحليين والدوليين للاستجابة
تقول فرح البالغة من العمر 40 عامًا، «كان انفجار مرفأ بيروت بمثابة انفجارٍ قلوب. هذا الانفجار أحرق قلوبنا». تتحدث فرح عن الانفجار الهائل الذي هزّ مدينة بيروت، عاصمة لبنان، في 4 آب/أغسطس 2020 والذي توفّي على إثره ما يربو على 200 شخص، وأُصيبَ الآلاف بجروح. ويعود سبب اندلاع الانفجار إلى احتراق كمية كبيرة من نترات الأمونيوم – وهو مركّب يُستخدم في صناعة المتفجرات – كانت مُخزّنة في مرفأ بيروت منذ ستّ سنوات في ظلّ ظروفٍ غير آمنة.
وقد أطلق الانفجار في سماء بيروت سحابة بيضاء تشبه فطر عيش الغراب، كما امتدّ دويُّهُ على طول المدينة وضواحيها، مما أدّى إلى تضرُّرِ العديد من المباني المُحيطة بمكان الانفجار ودمار بعض المنازل والمباني التي تحوّلت إلى أنقاض.
"لقد خَسِرتُ العديد من الأصدقاء،" أضاف إبنُ فرح البالغ من العمر تسع سنوات.
تتحدث فرح وابنها في كشكٍ صغير أقامته الأمم المتحدة في إحدى شوارع بيروت الأكثر تضررًا من الانفجار، بهدف إتاحة الفرصة لأبناء المدينة للتعبير عن آرائهم ومخاوفهم وتطلّعاتهم في ضوء التفجير المروّع.
عندما ضربت الكارثة قلب بيروت، كان لبنان يرزح تحت وطأة الأزمات والتحديات الاقتصادية والتظاهرات الشعبية، كما كان يعاني من زيادةٍ في معدّلات الفقر والبطالة التي تفاقمت بسبب التوترات السياسية ونتيجة تزايد عدد حالات المُصابين بفيروس كورونا. وقد تفاقم ذلك مع وجود عدد كبير من اللاجئين السوريين والفلسطينيين على الأراضي اللبنانية.
قالت نجاة رشدي، نائبة المنسق الخاص والمنسقة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في لبنان، أنه حتى الآن، وبعد مرور أشهر على اندلاع الانفجار المدمّر، "لا يزال حجم الخسائر والأضرار كبير، لا بل هائل."
وتردف رشدي قائلةً: "في زياراتي اليومية في أرجاء بيروت، أستمع إلى قصص الناس الصادمة وإلى خسائرهم. قابلتُ نساءً ورجالاً لم يُضطَرّوا يوماً إلى طَلَبِ المساعَدة، ولكن باتوا الآن يعيشون ويَعتَمِدون على المُساعدات... زُرتُ عائلات دُمِّرَت مَنازِلُها بالكامل وتدَمَّرَ معها مستقبلُها وآمالُها... رأيتُ أطفالاً فَقَدوا الشّعورَ بالأمانِ في أحيائِهم التي طالما كانت بيئتَهُمُ الحاضِنة والآمِنة... قابَلتُ رجالَ أعمالٍ فقَدوا مَنشآتِهم في ظِلِّ انعدامِ القُدرَةِ على الوصولِ إلى مُدَّخَراتِهم في المَصارِف، فباتوا عاجِزين عن البَدءِ مِن جديد."
في أعقاب الانفجار، قدَّمت هيئات الأمم المتحدة ووكالاتها الأدوية والإمدادات الطبية الأساسية وخدمات المياه والصرف الصحي والنظافة، كما حرصت على تقديم خدمات الدعم النفسي وبذلت جهوداً حثيثة لإعادة تأهيل وترميم المراكز الثقافية والمدارس. وقد شملت هذه الهيئات كلّ من برنامج الأغذية العالمي، ومنظمة اليونيسيف، ومنظمة الصحة العالمية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وموئل الأمم المتحدة، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) وغيرها من هيئات الأمم المتحدة القائمة في لبنان.
تقول رشدي "إن وكالات الأمم المتحدة وشركائها لا يدخرون وقتًا ولا جهدًا لتقديم المساعدة المنقذة للحياة لأولئك الذين تضرَّروا بشكل مباشر من هذا الانفجار المروّع". فقد شمل الدعم الذي قدّمته هيئات الأمم المتحدة أكثر من 90,000 وجبة ساخنة جاهزة للأكل، و44,000 طرد غذائي للأسر المتضررة، و12,500 طن متري من دقيق القمح الذي تم توزيعه على المطاحن في جميع أنحاء البلاد. هذا وعملت وكالات الأمم المتحدة على توفير خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة للمرافق الطبية، بما في ذلك ما يفوق 2,700 خزان ومضخة مياه جديدة.
"جرس إنذار"
"كان انفجار مرفأ بيروت بمثابة ’جرس إنذار’، ولكن أيضاً بمثابة فرصة لإعادة بناء لبنانٍ أفضل"، أضافت رشدي. ففي الأشهر التي أعقبت الانفجار، عملت الأمم المتحدة جاهدةً على توسيع نطاق جهودها بما يتعدّى تقديم الإغاثة الطارئة للمتضررين فحسب، حيث عمدت على تعزيز مساعيها بما يحقّق تعافي لبنان وإعادة إعماره على الأمد الطويل.
وبالفعل، فقد أصبح التغيير الحقيقي الشغل الشاغل للأمم المتحدة وسط الأزمات التي يتخبط فيها لبنان. فبعد اندلاع الانفجار بوقتٍ قصير جداً، أصدرت الأمم المتحدة مع الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي «تقييم الأضرار والاحتياجات السريع» في آب ٢٠٢٠ بهدف دعم عملية تخطيط التعافي القائم على الأدلة. واستنادًا إلى نتائج هذا التقييم، شرعت الجهات الثلاث في تطوير «إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار» الذي يرتكز على مبدأ "الإنسان أولاً"، والمعروف باسم 3RF. وقد تم إطلاق الإطار في الرابع من كانون الأول/ديسمبر، أي بعد أربعة أشهر بالضبط من تاريخ وقوع الانفجار، وهو يسعى إلى تقديم حلول ناجعة للمشكلات التي تواجه لبنان.
"نحن لا نركّز فقط على إعادة إعمار بيروت، ونتجاهل اللبنانيين الذين يعيشون في الفقر في أماكن أخرى من البلاد، على الإطلاق،" أكّدت رشدي. "فقد التزمنا بعدم إهمال أحد".
"ظننتُ أنّ اليوم هو اليوم الذي سأموت فيه"، قال الشاب ركان الذي غمرته ذكريات مؤلمة من الانفجار الذي دمّر منزله بالكامل، وتسبّب بجِرحٍ بليغٍ في رجله.
"أخشى أن يحدث شيء مشابه مرة أخرى"، تقول الشابّة رولا التي فقدت والدها في الانفجار. حتى اليوم، لا تزال رلى تجفل عند سماع أي صوت صغير في الشارع، وترتجف من احتمال وقوع انفجار آخر مشابه.
ولكن على الرغم من فظاعة الانفجار والأضرار والمآسي التي سبّبها، فإن الكثير من اللبنانيين/ات لم يثنهم/ن أحد عن المضي قُدُماً، على غرار ذلك الرجل الذي قال بثقة: "رغم كل شيء، نحن باقون في لبنان".
أُجرِيَت مقابلات مع الناس حول انفجار بيروت وتم جمعُها في هذا الفيديو القصير المُتاح على صفحة فايسبوك ويوتيوب وقنوات التواصل الاجتماعي الأخرى التابعة للأمم المتحدة في لبنان. وقد وصل هذا الفيديو، في أقل من أسبوع، إلى أكثر من 700،000 مشاهد على مختلف منصّات التواصل الاجتماعي. ويشكل هذا الفيديو أحد الأنشطة العديدة التي تقوم بها مجموعة الأمم المتحدة المعنية بالاتصالات في لبنان احتفاءً بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين للأمم المتحدة، وغيرها من النشاطات الرامية إلى تعزيز الوعي حول أهداف التنمية المستدامة (SDGs) بما يساهم في تحقيق التقدّم بشأنها في لبنان.