لبنان: عدد غير مسبوق من الأشخاص أجبروا على الاعتماد على المساعدات الإنسانية
تكافح العائلات اللبنانية للحصول على الاحتياجات الأساسية – بما في ذلك الغذاء – حيث يدفع الانهيار الاقتصادي والأزمات عدداً متزايدًا من الناس إلى حافة الهاوية.
إن تأملنا بحيّ التنك في مدينة طرابلس، رأينا بأنه يشبه المتاهة تمامًا. فإنه الحيّ المنسيّ، المزيّن بجميع أشكال الملاجىء التي تعكس وضع السكان المعيشي المتردّي.
تعيش منى على حافة هذه المتاهة وتواجه التحديات المستمرة وهي تعمل لإطعام من حولها. تلوح بيديها آملةً أن تشعر بنسيم الهواء في جوّ الصيف الحارق وأن تتخلّص من الحشرات والذباب التي استولت على منزلها.
لم تتوقع منى يومًا بأنها قد تحتاج إلى المساعدة الإنسانية. يعتمد الآن واحد من كلّ ستة أشخاص على المساعدة من برنامج الأغذية العالمي للحصول على الغذاء والمواد الأساسيّة.
"قبل انتشار جائحة كورونا وقبل كل الأزمات التي نشهدها، كان كل شيء في لبنان ميسور التكلفة إلى حد ما" تخبرنا منى، محدّقةً في جدار فارغ، وهي تذكر أنه في أوائل عام 2019، لم تكن زيارة أحد المتاجر الكبرى تعني إنفاق الحد الأدنى للأجور، والذي يعادل الآن 34 دولارًا أمريكيًا، على سلعتين أساسيتين.
بحسب التقييمات الأخيرة لبرنامج الأغذية العالمي، ارتفع سعر السلة الغذائية للمنظمة – التي تشمل المواد الغذائية الأساسية مثل الزيت والعدس – خمسة أضعاف منذ تشرين الأوّل 2019 بسبب بدء الاضطرابات المدنية والانهيار الاقتصادي، وانتشار الوباء وانفجار مرفأ بيروت. وفي المقابل، فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90٪ من قيمتها، مما أدى إلى انخفاضٍ حاد في القوة الشرائية.
أصبحت محدودية الوصول إلى الغذاء وتوافره يشكلان مشكلة واسعة النطاق في لبنان الآن: فبحسب استطلاعات الرأي التي أجراها برنامج الأغذية العالمي، 22 في المائة من اللبنانيين، و50 في المائة من اللاجئين السوريين، و33 في المائة من اللاجئين من جنسيات أخرى يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وتعني الأسعار المرتفعة للسلع الغذائية أن الطعام بعيد المنال بالنسبة لمعظم الناس، وأن تجّار التجزئة يواجهون تحديات خطيرة لجهة إعادة تخزين المواد والحفاظ عليها. ومن المرجح أن يؤدي رفع الدعم الحكومي للأغذية والوقود والأدوية إلى تفاقم الوضع الإنساني في البلاد. ومع ندرة الغذاء والوقود الميسورين، تتزايد المنافسة على الموارد الأساسية، مما يؤجج التوترات الاجتماعية.
إضافةً إلى كل ذلك، كان إنفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020، الضربة القاضية على هذا البلد الذي يعتمد بشكل كبير على الاستيراد. فكانت تتم 80 في المائة من العمليات التجارية، بما في ذلك المواد الأساسيّة، من خلال ذلك المرفأ.
ومع ارتفاع الأسعار يوميًّا - وأحيانًا كل ساعة - يضيع الناس جزءًا كبيرًا من يومهم للانتقال من مكان إلى آخر على أمل العثور على المواد الأساسية بأسعار يمكنهم تحمُّلها. فقد شهد زيت دوار الشمس مثًلا ارتفاعًا حادًّا بنسبة 1169 في المائة بين تشرين الأول 2019 وحزيران 2021.
اختلست منى نظرةً نحو أحد أولادها وهو يهتزّ على كرسيِّه إلى جانبها، قائلةً: "يستفيد الأولاد بدرجة كبيرة عندما نعطيهم الطعام المغذّي."
وأضافت باسمةً: "يُبقي الطعام الأولاد بصحّة جيّدة ويحميهم من الأمراض ويساعدهم على النمو إلى جانبنا."
يدعم برنامج الأغذية العالمي أكثر من 1.4 مليون لبناني وغير لبناني شهرياً ويهدف إلى الوصول إلى 750.000 لبناني في جميع أنحاء لبنان من خلال تدخلات مختلفة يتم تنفيذها هذا العام.
منذ عام 2014، كان برنامج الأغذية العالمي العمود الفقري لاستدامة المساعدات الغذائية للبنانيين المستضعفين، حيث وصل إلى آلاف العائلات شهريًا من خلال البطاقات الإلكترونية التي يمكن استخدامها لشراء الطعام. وبدعمٍ من الاتحاد الأوروبي، يمكن للعائلات الآن الحصول على مُخصصات شهرية لشراء المواد الأساسية للبقاء على قيد الحياة.
يعيش الكثير من الناس بجوٍّ من عدم الاستقرار ويكافحون لتأمين الوجبات والإيجار والأدوية. ولذلك يضاعف برنامج الأغذية العالمي جهوده لمساعدة العائلات اللبنانية من خلال البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً، وهو مخطط الدعم الاجتماعي الوحيد الذي تم إنشاؤه في لبنان.
ولم يكن ذلك ممكناً إلا من خلال دعم المانحين السّخي، سواءً من الاتحاد الأوروبي أو ألمانيا وكندا والنرويج وإيطاليا وفرنسا.
وبالإضافة إلى المساعدة الغذائية المباشرة للأسر اللبنانية الأكثر فقرًا، والدعم النقدي لتلبية الاحتياجات الأساسية، يعمل برنامج الأغذية العالمي أيضًا على تعزيز قدرة واستدامة البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً التابع للحكومة اللبنانية. وإلى جانب تدريب الأخصائيين الاجتماعيين في وزارة الشؤون الاجتماعية ومنسقي العمل الميداني، يوفر برنامج الأغذية العالمي منصة قوية لتسليم المدفوعات، ورصد النتائج، وبناء الأنظمة الرقمية، وتقديم الدعم الفني.
قال رين نيلاند رئيس التعاون في بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان: "إنّ الاتحاد الأوروبي وبرنامج الأغذية العالمي هما على أتم الاستعداد لمساعدة شعب لبنان في اجتياز هذه الأوقات الصعبة، وملتزمان بتعزيز أنظمة الحماية الاجتماعية اللبنانية"، مشيراً إلى تضامن الاتحاد الأوروبي مع اللبنانيين لمواجهة هذه الأزمات المتعددة وغير المسبوقة.
وقد شكّل كل هذا فرقًا كبيرًا في حياة الناس.
تتذكر منى: "عندما علمنا أن عائلتنا مؤهلة للحصول على المساعدة، شعرنا على الفور بالسعادة، لا أحد يستطيع أن يصدّق مدى سعادتي. لقد كنت آمل في الحصول على البطاقة الغذائية لبرنامج الأغذية العالمي لفترة طويلة جدًا ".
إضغط هنا لمعرفة المزيد عن عمل برنامج الأغذية العالمي المنقذ للحياة والذي يساهم في تحسين حياة الناس في لبنان.