ندوة حوارية إقليمية حول استقلالية القضاء في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا في ضوء المعايير الدولية لحقوق الانسان
٠٥ أبريل ٢٠٢٢
كلمة السيدة نجاة رشدي، نائبة المنسق الخاص والمنسقة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في لبنان.
أصحاب السعادة والمعالي،
السيدات والسادة المحترمين،
زملائي الأعزاء، مرحباً بكم،
ورمضان كريم، وكل عام وأنتم بخير.
حيثُ يكونُ القضاءُ حراً مستقلاً ونزيهاً، يكونُ الوطنُ بخير وتكون ثقة الناس بالدولة عالية. فالقضاء هو أحد أهم أركان الدولة وأساس لضمان الحكم الصالح.
لكن في ظلّ الظروف الصَّعبة التي يرزَح تحت وطأتها لبنان وَوابلِ الأزمات المُتوالية التي ساهمت في زعزعة ثقة الناس، تظهرُ جَليّاً التحديات والانتكاسات الجمّة التي يعاني منها القضاء اللبناني والتي تساهم لا مَحال في ضُعفِ مؤسسات الدولة وبالتالي ضعف هَيبَة القضاء والدولة.
للأسف، تعدّدت الأسباب والنتيجة واحدة. فالأسباب كثيرة، من بينها التأثير غير المناسب للفاعلين السياسيين على القضاء اللبناني، إلى جانب عدم تبني الحكومات المتعاقبة والسلطة التشريعية، إصلاحات قانونية وسياسية شاملة تضمن استقلال وحياد ومساءلة القضاء، ناهيك عن تَجَذُّر ثقافة الإفلات من العقاب!
وأوَّل ما يتبادَرُ إلى أذهاننا بطبيعة الحال هو التحقيق في انفجار مرفأ بيروت المُفجع الذي مزَّق قلبَ بَيروت في عام 2020... إنفجار ٌ آثِمٌ لم تُلَملَم بَعد من جرّائه جِراحُ أهالي الضحايا.
أيها الحضور الكريم،
بينما تضعُ الحكومة خططاً لمعالجة الأزمات المتراكمة ولتحقيق تعافي البلاد وتحسين مساره التنموي، لا بدّ من أن تكون عملية تعزيز سيادة القانون في صلب جهودها. فالنهوض بسيادة القانون ضروريٌّ لا بل أساسيٌّ لتحقيق النمو الاقتصادي الشامل، وللقضاء على الفقر والجوع، ولِصَون جميع حقوق الإنسان وحماية الحريات الأساسية التي لطالما تَغنّى بها لبنان من بين دول المنطقة.
ولا يَخفى عليكُم أنّ استعادة الثقة في المؤسسات الحكومية إنما هو أمرٌ جوهريٌّ لضمان الحَوكمة الرشيدة، وشرطٌ أساسيٌ لتحقيق التنمية العادلة والشاملة والمستدامة. فلا وجود للتنمية من دون حكم صالح، ولا وجود لحكم صالح من دون أواصر قوية للثقة. فاستعادة الثقة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بدعم مبادئ المساواة، والإنصاف، والإدماج، وبإرساء الركائز الضرورية لبناء مؤسسات فعالة وشاملة وخاضعة للمساءلة. وبالتالي، فإنَّ وجود سلطة قضائية مستقلة وشفافة، لا يشوبُها أي تدخّل من أي طرفٍ كان، إنما هو مَطلبٌ أساسي وشرطٌ ضروريٌ لاستعادة الثقة بالمؤسسات العامة. وهذا ما نركّز عليه اليوم ومراراً وتكراراً!
وتحقيق ذلك متّصلٌ مباشرةً بالتنمية. فمن دون حكمٍ صالح قائم على سيادة القانون وعلى شفافية القضاء، لا يمكننا أن نأمل في تحقيق التنمية المستدامة. فالهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة التي التزم لبنان بتحقيقها، ينصّ بوضوح على أهمية "تعزيز المجتمعات السلمية والشاملة تحقيقاً للتنمية المستدامة، وتوفير الوصول إلى العدالة للجميع وبناء مؤسسات فعالة وخاضعة للمساءلة وشاملة على جميع المستويات". وبذلك، يُسلِّط هذا الهدف الضوء على الأهمية التي يَضطَلِعُ بها القضاء العادل والفاعل لتعزيز المجتمعات السلمية والشاملة. هذا وقد أَوعَزَت الآليات الدولية لحقوق الإنسان إلى لبنان بضرورة اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان الاستقلال التام للقضاء وحيادِه -في القانون والممارسة- وفقاً للمعايير الدولية.
وفي صلب تعافي لبنان، تأتي أهداف تعزيز سيادة القانون، والحكم الصالح، والثقة في المؤسسات العامة، واستقلال القضاء. وهي أهداف تُشكّل إحدى ركائز إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار (3RF) التي ركَّزنا عليها من جديد البارحة في الاجتماع الرابع للمجموعة الاستشارية. كما هي في صلب الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد للفترة 2020-2025، وفي جَوهَر خطة العمل الوطنية لحقوق الإنسان للفترة 2020-2024.
السيدات والسادة الكرام،
في حين يَئنُّ لبنان ويَتلوّى مِن هَولِ ما يَحصُل، ها نحن اليوم نبحث في أبرز التحديات والتجارب الناجِعَة في إطار الاصلاحات المتعلقة باستقلالية القضاء في المنطقة العربية، على أمل أن يستفيدَ لبنان من تلك التجارب فيَستجمِعُ القضاء كل قِواه ليَستعيدَ ثقة الناس ولِيُعزِّز ثقافة المحاسبة من خلال نظام قضائي قوي ومستقل.
ولكن هذا يُحَتِّم على الحكومة والبرلمان اللبناني بعض الخطوات الحاسمة:
أولاً، أن تسعى الحكومة وكذلك البرلمان حالياً إلى تعزيز بيئة مؤاتية للتنمية عبر إنشاء نظام قَضائي مُستقلّ وشفّاف، مِن شَأنِهِ أن يُشكّلَ أساساً لِخَلقِ عَقدٍ اجتماعي بين الدولة والشعب يرتكز على الثقة في المؤسسات؛
ثانياً، إعتماد قانون مُعجَّل يَضمَن استقلال القضاء بما يتماشى مع المعايير الدولية؛
ثالثاً، مكافحة الإفلات من العقاب في كل أشكاله، وبذلك تثبيت دولة القانون والحق؛
رابعاً، إنجاز تحقيق مُستَقل ومَوثوق به بشأن أسباب انفجار مرفأ بيروت، وتحديد المسؤوليات المَنوطة بكل جهة.
أتمنىّ لمداولاتكم كل النجاح والتوفيق. وشكراً.
صاحب الخطاب
عمران ريزا
الأمم المتحدة
نائب المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، المنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية