الأمم المتحدة في لبنان تدعم الشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم عبر تيسير لقائها بالمستوردين الدوليين
٣٠ مايو ٢٠٢٢
الأمم المتحدة في لبنان تدعم الشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم عبر تيسير لقائها بالمستوردين الدوليين.
"إن دعم الشركات الصغيرة في لبنان هو الطريقة الوحيدة لمساعدة هذا البلد على التعافي من أزماته. فهذا النوع من الدعم يساعد لبنان على تحقيق إكتفائه الذاتي، وتعزيز إنتاجيته، والحفاظ على اليد العاملة الكفوءة، التي تعتبر حاجة ملحة للحد من هجرة الأدمغة التي يشهدها لبنان ،" تقول جوانا جرجس، 32 عاماً، بصوتٍ يشوبه الحماس والأمل بمستقبلٍ أفضل للبنان.
خلال السنوات الأربع الماضية، كانت جوانا تقضي معظم وقتها في معصرة النبيذ "شاتو كانا" (قصر كانا) الواقعة في بلدة رأس الحرف في جبل لبنان، والتي أسسها والدها منذ 22 عاماً.
بالنسبة لجوانا، "شاتو كانا" ليس بشركة عائلية تديرها من أجل جني الأرباح فحسب، إنما هو مشروع هادف بحد ذاته. لذلك، فقد استقالت جوانا منذ أربع سنوات من وظيفتها الثابتة في إحدى الشركات ذات الأجر الجيد بغية إنقاذ معصرة والدها من خطر الإفلاس. "عندما أدركتُ أنّ شركة عائلتي تعاني من بعض المشاكل، قدّمتُ استقالتي من وظيفتي وقررتُ حينها تكريس وقتي للعمل على إنقاذ معصرة النبيذـ، إيماناً بقدرة شركتنا على وضع اسم لبنان على خارطة مصدّري النبيذ في العالم، وخلق فرص عمل للمئات من سكان القرى المجاورة،" تقول جوانا. في الواقع، دعم "شاتو كانا" 50 عائلة في 30 قرية لبنانية من خلال تزويد المزارعين بشتول العنب ومن ثمّ شراء المحاصيل منهم لحمايتهم من تكبد أي خسائر.
على الرغم من إصرار جوانا على المضي قُدما وأملها القوي بالتغيير، إلا أنها تكبّدت عناء إيجاد مستوردين دوليين لنبيذها المحلي. "من الصعب الحفاظ على استمرارية شركة في ظل غياب الفرص المُتاحة للتواصل مع مستوردين دوليين والالتقاء بهم،" تشرح جوانا. وتفاقمت التحديات التي واجهتها جوانا بسبب الأزمة المالية الحادة التي واجهها لبنان مؤخراً مما أدى إلى فقدان العملة المحلية لقيمتها بشكل ملحوظ، الأمر الذي جعل الوصول إلى سبل التمويل أمراً شاقًا واستيراد المواد الخام باهظًا بالنسبة لجوانا وسواها من رواد الأعمال.
وفيما كانت جوانا تبحث عن فرص مربحة للحفاظ على شركتها، نظّم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو) في لبنان، بالشراكة مع مؤسسة بيريتك لقاء توفيقي بين مختلف المؤسسات التجارية بعنوان “Business-to-Business Matchmaking (B2B) ضمن فعاليات يوم الإبتكار الغذائي والزراعي (AFID2022)، وقد استمر هذا اللقاء لفترة ثلاثة أيام متتالية (22- 24 آذار 2022). وكان هدف هذا اللقاء خلق فرص عمل للمؤسسات الصغيرة والمتناهية الصغر في لبنان من خلال إيجاد منصة مؤاتية تربط رواد الأعمال اللبنانيين بالمشترين الدوليين وتساعدهم على الوصول إلى الأسواق الدولية.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا اللقاء بين روّاد الأعمال والمستوردين الدوليين يأتي في إطار المستوى المتوسطي (MESO level ضمن مشروع الأمم المتحدة المشترك بعنوان "برنامج تنمية القطاع الإنتاجي" ، الذي يمتد على فترة ثلاث سنوات (PSDP). والجدير بالذكر أنّ هذا البرنامج الذي تبلغ قيمته 7.4 مليون دولار أمريكي، بتمويلٍ من صندوق إنعاش لبنان المُموَّل من الحكومة الكندية، تشترك في قيادته وتنفيذه ست وكالات تابعة للأمم المتحدة وهي: منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو)، منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، منظمة العمل الدولية، هيئة الأمم المتحدة للمرأة، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف).
ويعتبر رئيس التعاون الإنمائي في سفارة كندا، السيد جيمي شنور، أن برنامج تنمية القطاع الإنتاجي أتى في فترة حاسمة في تاريخ لبنان. "ويعتمد البرنامج الإنمائي التابع للحكومة الكندية على أربعة مبادئ رئيسية، ألا وهي: أن يرتكز على الإنسان أولاً، وأن يتمحور حول الإصلاح، وأن يستند على التعاون، ويركّز على النتائج. وهذه المبادرة هي ترجمة حقيقية لتلك المبادئ على أرض الواقع". ويضيف قائلاً: "هذا الحدثأي اللقاء بين رواد الأعمال والمستوردين - B2B Matchmaking Event هو مثال حيّ عن النتائج المرتقبة."
اليوم، وفي ظل الأزمة المالية التي يشهدها لبنان، يُعتبَر الوصول إلى الأسواق العالمية وتنويع قاعدة الزبائن الدوليين أولويةً لكل شركة تُعنى بالأغذية الزراعية في لبنان، ومَنفَذُها الأخير للبقاء على قيد الحياة وسط الأزمة الاقتصادية التي لا زالت تلقي بظلالها على البلاد. وهذا تحديداً ما قدّمه برنامج تنمية القطاع الإنتاجي (PSDP) على المستوى المتوسطي الهادف إلى وصول الشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم التي يقودها رجال ونساء إلى أسواق تستهدف القطاعات الإنتاجية مع إمكانات عالية للتصدير والتطور.
بالنسبة لروز بشارة، مؤسِّسَة مشروع "دارميس" الذي يُعنى بإنتاج زيت الزيتون المحلي، فإن لقاء الـB2B Matchmaking كان "نعمة من السماء إذ وفّر علينا الوقت، والطاقة والمال." شاهدوا هذا الفيديو حيث تشرح فيه روز كيف قابلت المستورد "الذي لطالما حلمت بلقائه" من مؤسسة Lafayette Gourmet الفرنسية.
وكان السيد رامشاد حسن باندي، مدير الاستيراد في "شركة لولو هايبر ماركت السعودية" في المملكة العربية السعودية، يبحث عن روّاد أعمال جدد وعن طرق مبتكرة لتوسيع نطاق تعاونه مع الشركات اللبنانية، فحضر لقاء التوفيق بين الشركات B2B Matchmaking event. "نرى الكثير من إمكانات التصدير في شركات الأغذية الزراعية في لبنان. فهي تقدم منتجات جديدة نود إضافتها إلى حافظتنا التجارية، مثل جبنة الماعز، وصلصات الثوم، والعسل". وبالفعل، تمكّن السيد رمشاد من إبرام صفقة مع أحد رواد الأعمال الشباب خلال هذا الحدث المنظم بالشراكة بين الأمم المتحدة وبيريتك.
تعزيز مهارات الشركات اللبنانية في التصدير
لا يشكل لقاء التوفيق بين رواد الأعمال والمستوردين الدوليين (B2B Matchmaking) النشاط الوحيد ضمن برنامج تنمية القطاع الإنتاجي (PSDP). فالسيدة مها مثلاً، وهي من بين منتجي ومصنّعي زبدة المكسرات الطبيعية تحت اسم "سبردلي" (Spreadly)تسجّلت في الأكاديمية اللبنانية للتصدير التي تندرج ضمن نشاطات البرنامج الأممي المذكور آنفاً.
وتهدف هذه الأكاديمية إلى تزويد التعاونيات والمؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم التي يقودها رجال ونساء من لبنان، بالمعرفة الفنية المطلوبة ومهارات التصدير الضرورية لتوسيع نطاق عملها وتعزيز قدراتها التصديرية. وعبر هذه الأكاديمية، سيتم تدريب 70 مؤسسة في لبنان اعتبارًا من شهر أيار\مايو 2022 على عدد لا يحصى من المواضيع ذات الصلة بالتصدير، من بينها تطوير خطط الأعمال، وكيفية الإعلان عن المنتجات الخاصة بهذه المؤسسات، فسُبُل التسويق، وخلق العلامات التجارية، والتسعير وشروط الأهلية.
تحقيق أهداف التنمية المستدامة
يُعَدّ برنامج تنمية القطاع الإنتاجي (PSDP) من بين مبادرات الأمم المتحدة في لبنان التي تساهم في تحقيق الأهداف العالمية للتنمية المستدامة وخطة التنمية المستدامة لعام 2030. وتشرح مها ذلك بكلماتها الخاصة حيث تُظهر فخرًا كبيرًا بأعمالها: "من خلال إعادة تدوير نفاياتنا وتشجيع زبائننا على إعادة الجرار لنا مقابل الحصول على خصم على منتجاتنا، نشجع بذلك على تبنّي عادات وأنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة." وتضيف قائلةً: "نحن أيضًا نتعاون مع المواهب الشابة ونعزز الشراكات مع الشركات المحلية، مما يساهم في تحقيق الهدفين 8 و17 من أهداف التنمية المستدامة اللّذين يتعلقان بتأمين العمل اللائق وتحقيق الشراكات على التوالي".
على الرغم من أداء عملها بشكل جيد، تعتقد مها أنه من الممكن تطوير عملها بشكل أفضل من خلال الحصول على التوجيه اللازم والتدريب الذي ستتلقاه في الأكاديمية. "إنني متحمسة جداً لاكتساب المعرفة والمهارات التي تقدمها الأمم المتحدة من خلال هذه الأكاديمية، والتي ستتيح لي من دون أي شك فرصاً جديدة لتصدير منتجاتي."
بوابة التصدير عبر الإنترنت: محطة واحدة تجد فيها كل ما ترغب فيه
يحتاج رواد الأعمال في لبنان إلى مزيد من الدعم لمواجهة أزمات لبنان المتعددة الأوجه ومساعدته على التعافي بشكل سريع والمضي قدمًا بشكل أفضل. بناء عليه، وفي إطار مشروع برنامج تنمية القطاع الإنتاجي (PSDP)، تعاونت الأمم المتحدة مع المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان (IDAL) لإنشاء منصة تصدير هي بمثابة "محطة واحدة'' للمشترين الدوليين الراغبين في استيراد المنتجات اللبنانية والتواصل مع المنتجين اللبنانيين المحليين.
كما تزوّد المنصة الشركات المحلية والمنتجين بتقارير حول الأسواق الواعدة التي تعتبر ضرورية للمصدرين اللبنانيين، كما توفّر الموارد الأخرى اللازمة لتصدير منتجاتهم. من المتوقع أن تعمل هذه المنصة على زيادة الشفافية في إجراءات التصدير والاستيراد وتعزيز قدرات لبنان في مجال التصدير لا سيما بالنسبة للشركات التي تقودها النساء، وذلك بغية تمكينهنّ من بيع منتجاتهنّ في الأسواق العالمية.
"أحياناً، كل ما تحتاج إليه هو دفعة صغيرة للوصول إلى النجاح الذي لطالما كنت تصبو إليه"، تقول جوانا بابتسامة عريضة على وجهها.