اليوم وقت التعافي وليس وقتاً للكراهية
١٨ يونيو ٢٠٢٢
بيان مشترك صادر عن المكتب الإقليمي لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومركز الأمم المتحدة للإعلام في بيروت.
لعل أبرز ما علّمتنا إيّاه السّنتان الأخيرتان اللّتان شهدتا انتشار وباء كورونا هو أن البشرية هشةً وأن حياة الإنسان ثمينة. بالنسبة للكثيرين، كان الإنعزال بسبب التّباعاد الإجتماعي الذي فرضه الوباء تجربةً مخيفةً وصادمة. كما أنّ المعاناة بسبب الظّروف التي فرضها الوباء دفعت الكثير لصبِّ الانتقادات عبر صفحات الإنترنت، ما أدّى إلى نشرالمعلومات المضللة والخاطئة ولوم الأفراد والمجموعات على انتشار الفيروس. هكذا، انتشر رُهاب الأجانب وخطاب الكراهية في وقت كنّا فيه بأمسِّ الحاجة إلى التّضامن والوحدة.
وبينما نخرج اليوم من وباء كورونا، فإن العَداء مستمر في العالمين الواقعي والافتراضي، كما أن حملات التّشهير والمعلومات المضلّلة ما زالت منتشرة بلا هوادة. من ناحية، لا ينبغي أن يكون هذا مفاجئًا، فقد كان خطاب الكراهية موجودًا قبل فترة طويلة من انتشار الوباء. ولعلّ ما نحتاجه فقط هو أن نتذكّر الأمثلة المروّعة لانتشار خطاب الكراهية، مثل ما حصل في رواندا، حيث أدى الخطاب التّحريضي إلى ارتكاب جرائم فظيعة لا يمكن تصورها، بما في ذلك الإبادة الجماعية. وفي حين أن السّياقات قد تتغيّر، فإنّ ضحايا هذا النوع من الخطاب هي في كل مرةٍ المجموعات الأكثر تهميشاً وتعرضاً للخطر في المجتمع وتشمل الأقليات العرقية والدينية، والنساء، واللاجئين والمهاجرين، والأِشخاص ذوي البشرة الملونة، ومجتمع الميم وضحايا العنصرية والإسلاموفوبيا، ومعاداة السامية والمرأة، ورُهاب الأجانب والمثليّة والتحوّل الجنسي.
وبينما يقول المثل القديم: "قد تكسر العصي والحجارة عظامي لكن الكلمات لن تؤذيني أبدًا"، مع الأسف، هذا ليس ما يحصل في الواقع. فالكلمات قد تكون سلاحاً، وخطاب الكراهية عبر الانترنت يؤدي إلى الأذى في الواقع. ويعتبر خطاب الكراهية في حد ذاته هجومًا على التّسامح والإدماج والّتنوع وجوهر حقوق الإنسان. وعلى نطاقٍ أوسع، فإن خطاب الكراهية يُضعِفُ التّماسك الاجتماعي، ويُقوِّض القيم المشتركة بين المجتمعات، ويمكن أن يؤسِّس للعنف.
ليست منطقة الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا محصّنةً ضدّ الأمراض التي يسببها خطاب الكراهية. فعددٌ من المجتمعات في المنطقة واجهت أهوالًا لا يمكن تصوّرها على أيدي الجماعات غير الحكوميّة التي استخدمت أساليب دعايةٍ متقنةٍ لحشدِ الكراهية. فما يُسمّى بالدّولة الإسلامية في العراق والشام كان لها تاُثيراً مدمّراً من خلال خطابها المليء بالكراهية والبروباغندا (الدعاية) ضد أفراد المجموعات العرقية والدينية مثل المجموعات اليزيدية والمسيحية وأيضًا ضد المسلمين، وكذلك مجتمع الميم.
كما وقعت حوادث في جميع أنحاء المنطقة تمثّلت بنشر بعض رجال الدين رسائل تعصّبٍ ضد المعتقدات الدّينيّة المختلفة، ولا سيّما ديانات الأقليّات، وتشويه سمعة المؤمنين وإهانتهم وإثارة أعمال عدوانيّة ضدّهم. فقد كشف الصّراع الإسرائيلي/ الفلسطيني عن مستوى عالٍ لخطاب الكراهية. وأدان خبراء حقوق الإنسان التّابعون للأمم المتّحدة خطاب الكراهية والتّحريض على العنف ضد الفلسطينيين من قبل جماعات اليمين الإسرائيلية المتطرفة كما رأينا الشّهر الماضي عندما سارت هذه الجماعات في مدينة القدس القديمة مردّدةً رسائل مسيئة وعنصريّة تحرّض على العنف. وفي الآونة الأخيرة، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء زيادة وتيرة معاداة السّامية على الإنترنت وفي الواقع، في كل من منطقة الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا والعالم.
إذًا كيف يمكننا معالجة خطاب الكراهية؟ علينا أولاً أن نتأكّد من أن أي استراتيجيّةٍ نتبنّاها تحترمُ حقَّ الإنسان في حريّة التّعبيربشكلٍ كامل، وهو أمرٌ ضروريٌّ لتحقيق حقوق الإنسان الأخرى وحجر أساس لتحقيقِ الدِّيمقراطيّة. وتجدر الإشارة إلى أنّ حريّة التّعبير لا تحمي الآراء التي يتمّ استقبالها من قبل الآخرين والأخريات بشكلٍ إيجابيٍّ فحسب بل أيضًا تلك التي تعبّر عن آراء انتقاديّة ومتباينة. والأهم من ذلك أنّه لا يمكن اعتبار انتقاد المسؤولين والمسؤولات من الحكومة والمؤسسات العامة خطاب كراهية، كما لا يمكن اعتبار هذا النّقد سبباً لتقييد الحق في حرية التعبير.
تعرّف استراتيجية الأمم المتحددة وخطة عملها بشأن خطاب الكراهية التي تم إطلاقها في عام 2019 خطاب الكراهية بأنه "أي نوع من التواصل، الشفهي أو الكتابي أو السلوكي، الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية، وبعبارة أخرى، على أساس الدين أو الإنتماء الإثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو الأصل أو نوع الجنس أو أحد العوامل الأخرى المحددة للهوية".
ليست الغاية جعل خطاب الكراهية، وفقاً لهذا التّعريف، غير قانوني، إنّما عندما يصل الى مستوى التّحريض على التمييز والعداء والعنف يدعو القانون الدولي إلى حظره. التّحريض هو شكل خطير جدًا من أشكال الخطاب لأنه يهدف بشكلٍ صريح ومُتَعمَّد إلى إحداث ضرر حقيقي، ما قد يشمل الإرهاب أو الجرائم الوحشية.
وعوضاً عن تجريم خطاب الكراهية الذي لا يصل إلى مستوى التّحريض، فإن أفضل طريقةٍ للتصدّي له هي عبر المزيد من الكلام وليس الأقل من الكلام. وهذا يشمل المزيد من الخطاب العام والحملات ضد التمييز؛ المزيد من التحدث عن ضحايا خطاب الكراهية؛ والمزيد من المبادرات العامّة والتّبادلات للاحتفال بالتّنوع. كما أنه من مسؤولية الجميع العمل على الحد من خطاب الكراهية، وذلك يشمل الحكومات والمجتمعات والقطاع الخاص بدءاً من الأفراد من النساء والرجال. ويُعَدّ التّعليم مفتاحًا لمعالجة خطاب الكراهية، ففي عصرنا الرّقمي علينا العمل على تأسيس جيل جديد من المواطنين الرقميين القادرين على التّعرف على خطاب الكراهية ورفضه والتصدّي له.
وكما شدّد الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش فإن ازدياد التنوّع في المجتمع يشكّل نقطة قوّةٍ وليس ضعفاً. ويجب على القيادات السياسيّة وأعضاء البرلمان تجنّبَ نشر خطاب الكراهية ومواجهة التمييز بكل أشكاله كما يجب عليهم وعليهنّ استخدام المنصّات العامة لتشجيع التنوٌّع، والتعدُّديَّة والاحترام المتبادل بين الأفراد والمجتمعات. وتلعب القيادات الدينيّة أيضًا دورًا مهماً في التحدُّث ضد خطاب الكراهية والتّعبير عن التّضامن مع المستهدفين والمستهدفات بمثل هذه التّعبيرات والتّركيز على الرّسائل التي تعمل على الحد من التمييز. يُعدّ الحوار بين المعتقدات والأديان المختلفة في منطقة الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا وخارجها أمرًا ضروريًا لتعزيز التفاهم المتبادل والتواؤم والتّعاون بين الناس.وفي الواقع، توصي أخلاقيّات جميع الأديان والمعتقدات بالسّلام والتسامح والتفاهم المتبادل.
لوسائل الإعلام أيضًا دوراً في تعزيز التّسامح واحترام التنوّع الدّيني والثّقافي وفي تعزيز وحماية حقوق الإنسان للجميع. كما يجب أن تضمن وسائل الإعلام والصحفيين تغطية إخبارية غيرمتحيّزة ودقيقة، خالية من اللغة الإزدرائية والتنميط والوصم، مع استخدام منصّاتهم في الوقت نفسه لتغطية قصص ذات اهتمام بالمصلحة العامة تعكس تنوّع المجتمع.
كما يجب أن تتيح شركات وسائل التّواصل الاجتماعي الوصول إلى معلومات ذات طابع تعددي بالإضافة إلى تعزيز الشفافية حول كيفية تنظيم ومواءمة المحتوى. ويجب أن توفِّر هذه الشّركات أيضًا وسائل تعويض فعّالة ومتاحة لضحايا التحريض عبر الإنترنت.
اليوم، وبينما نحيي للمرة الأولى اليوم الدّولي لمكافحة خطاب الكراهية، يجب أن نذكِّر أنفسنا بأن الكراهية تشكِّلُ خطرًا على الجميع وبالتالي فإن محاربتها يجب أن تكون مهمّتنا جميعاً. يمكننا اتخاذ الإجراءات لنقول #لا_لخطاب_الكراهية.