الأمم المتّحدة في لبنان تدعم التّعاونيّات النّسائيّة حفاظاً على إنتاجيّتها خلال الأزمات المتعاقبة
.
"يسعدني تدريب النساء على صناعة المونة ومساعدة جيراني من خلال تامين فرص عمل لهن. العديد من النساء في لبنان يقمن بالأمر نفسه في مجتمعاتهن المحلّيّة"، تقول سميرة زغيب عقيقي، 58 عاماً، وهي رئيسة تعاونية "الأطايب" الواقعة في بلدة كفردبيان التابعة لقضاء كسروان في محافظة جبل لبنان، والتي أسّستها سميرة ومجموعة من نساء البلدة في عام 2004 لدعم المجتمع المحلي.
من التعليم إلى صناعة المونة
بدأت سميرة مسارها المهني كمدرّسة لغة فرنسية في إحدى مدارس بلدة كفردبيان. بعد أوّل عامٍ دراسي، استقالت سميرة من وظيفتها لتتبع شغفها في الطبخ. التحقت سميرة في عام 2003 بتدريب على فن الخياطة والتّطريز كانت جمعية الشبان المسيحيين آنذاك تنظمه في المنطقة. ومن خلال انخراطها مع نساء من مختلف المناطق اللبنانية، لاحظت سميرة بان النساء القرويات يمتلكن مهارات ممتازة في صناعة الأغذية وتعليبها على شكل مؤن ومنتجات غذائية، كما لاحظت بأنهن يحببن تبادل المعلومات. لذلك، عملت سميرة مع جمعية الشبان المسيحيين على تنظيم ورش عمل حول تصنيع وتعليب المنتجات الغذائية، لتصبح بعد فترةٍ قصيرة مدرّبةً في المجال نفسه. "إن تدريب النساء على مهارة تصنيع وتعليب المنتجات الغذائية هي طريقتي في تمكين المرأة. تمنحني هذه الورش أيضاً قوة لأنها تحيطني بنساءٍ معطاءات وذوات رؤية"، تقول سميرة بحنين إلى الماضي.
نموذج التعاونية
أحبّت سميرة دور المدرّبة لكنها لم تكتفِ به، فلطالما أرادت أن تكون مؤثّرةً في مجتمعها المحلي. "قرّرتُ مع زميلاتٍ لي أن نؤسّس تعاونيّة متخصّصة بتصنيع الأغذية نظراً لمهارة النساء في المنطقة في مجال صناعة الأغذية والمجال الزراعي. واخترنا نموذج التعاونية لإدارة مشروعنا لما لها من فائدة مجتمعيّة من خلال تأمين فرص عمل محلّيّة وتقسيم الأرباح على المساهمات"، تقول سميرة.
"الأطايب" هي تعاونية نسائية متخصّصة في تصنيع وتعليب المنتجات الغذائية اللبنانية التقليدية والمحلّيّة وفق معايير إدارة الغذاء والدّواء الأميركيّة (FDA)، مثل مربّى قشور الحمضيات ومربّى الفاكهة والمكدوس اللبناني الشّهير.
تضم التعاونية اليوم 13 امرأة من مختلف الفئات العمرية، تعمل كلّ منهن على تحضير المنتجات التي تسوّقها التعاونية. فضلاً عن الأجر الذي تتقاضاه النساء لقاء عملهن في إعداد المونة، تتلقّى كل منهن نسبةّ من الأرباح التي تحصدها التعاونية بصفتهن مساهمات في إنشائها. "يلبّي نموذج التّعاونية مصلحة أكبر عدد ممكن من الأشخاص، وهو نموذج تشاركي وجماعي، ما يغني العمل بالأفكار ووجهات النظر"، تقول سميرة.
كما تدعم التّعاونية المزارعين المحليّين من خلال شراء محاصيلهم الزّراعية الضّرورية لإعداد المنتجات الغذائية وتؤمّن فرص عمل لسكّان البلدة من خلال توظيفهم لتأدية المهام اللّوجستيّة التي يتطلّبها هذا النّوع من المشاريع.
الأمم المتحدة في لبنان تدعم التّعاونيات
واجهت تعاونية "الأطايب"، شانها شان العديد من التّعاونيات في لبنان، تحدياتٍ كثيرة مع انتشار وباء كورونا، ممّا هدد قدرتها على الاستمرار وخصوصاً خلال الأشهر الأولى لانتشار الوباء. فقد كان لبنان حينها أيضاً متعثّراً بأزمته الاقتصادية، ما ترك سميرة وزميلاتها في حيرةٍ حول كيفيّة إدارة التّعاونية وتشغيلها وسط هذه الأزمات. تبدّدت حيرة سميرة وشريكاتها في "الأطايب" حينما علمن بأن الامم المتّحدة في لبنان تدعم التّعاونيات في كافة المناطق، فتواصلن مع الجهات المعنيّة طلباً للمساعدة.
بتمويل من بنك التنمية الألماني KfW قيمته 4.4 مليون دولار، ومن خلال برنامج الامم المتحدة الإنمائي، عملت الأمم المتحدة في لبنان على دعم التعاونيات والمؤسسات الصّغيرة والمتوسّطة والمزارعين بهدف تخفيف وطأة انتشار وباء كورونا. من خلال المشروع نفسه، دعمت الأمم المتحدة في لبنان 94 تعاونية من مختلف المناطق اللبنانية، مثل دير الأحمر وفنيدق وقانا وحريصا ولحفد، مع التركيزعلى النساء، من خلال توفير المساعدات النقدية لقاء العمل والمساعدات العينية مثل تأمين المواد الأوّليّة والمعدّات والوسائل الضّرورية لكل مشروع. استفاد أكثر من 6000 شخص في لبنان من هذا المشروع الذي ساعدهم على التّأقلم مع ثلاث أزمات متعاقبة شهدها لبنان: انتشار وباء كورونا، الأزمة المالية والاقتصادية، وانفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020.
بالنسبة لتعاونية "الأطايب"، "قدّمت الأمم المتحدة الأجر الشّهري الذي اعتادت النّساء المساهمات في التعاونية تقاضيه لقاء اتعابهم، على الرّغم من توقّف العمل، بالإضافة إلى تقديم الزيت والسّكر الضّروريّان لتحضير المونة اللبنانية، فضلاً عن الإناءات الزّجاجيّة المستخدمة لحفظ الأطعمة"، تقول سيمرة. "هذا النوع من المساعدات المادية والمالية هو بالغ الأهمية بالنّسبة للتعاونيّات لأنها تحاكي احتياجاتنا الماليّة. فاستعدنا رأس مالنا جرّاء هذا الدّعم وعوّضنا خسائرنا وبالتّالي تمكّنا من استئناف أنشطتنا في وقت كانت العديد من المشاريع تغلق أبوبها".
من خلال خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، ساعدت تعاونيّة "الأطايب" عائلات عديدة في بلدة كفردبيان على التعايش مع الأزمات المتعاقبة التي شهدها لبنان ما جعل النساء العاملات على هذا المشروع فخورات بأنفسهن وبمجتمعهن المحلي. "تمثّل تعاونية "الاطايب" كل القيم التي نؤمن بها: ان نعمل بشغف أن نساعد مجتمعنا وأن نخدم المصلحة العامّة"، تقول سميرة بفخر.