لبنان: بناء مستقبل أفضل يتطلّب نظام متين للحماية الاجتماعية
٠٩ يناير ٢٠٢٣
منشور مدوّنة للمنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة عمران ريزا حول النتائج المحصودة للفريق الأممي ضمن الصندوق المشترك لأهداف التنمية المستدامة.
لطالما كان نظام الحماية الاجتماعية في لبنان ضعيفًا ومشتتًا ولطالما عانى من نقص التمويل ومن غياب إطار شامل للسياسة الاجتماعية الوطنية، ممّا صّعب على المانحين وعلى المجتمع الدولي تقديم الدعم بشكلٍ سريعٍ وعلى نطاقٍ واسعٍ.
كما أنّ الأزمة الاقتصادية والمالية التي عصفت بالبلاد في العام 2019 -والتي تفاقمت بسبب الآثار المدمّرة لانفجارات مرفأ بيروت وانتشار كوفيد-19 في العام 2020- قد صعّبت على الناس تأمين مصاريفهم اليوميّة بسبب عدم توفّر نظام حماية اجتماعية فعّال كفيل بحماية الناس من تداعيات الأزمات المتراكمة والمساعدة في إيجاد حلول للمشاكل المتعدّدة التي يعاني منها لبنان.
مع بدء انتشار فيروس كوفيد-19 في العالم أجمع وفي ظلّ الخسائر الفادحة التي تسبّب بها هذا الفيروس وآثارها على حياة الأفراد وعلى وظائفهم ومدخولهم ورفاههم، لمسنا الدور الرئيسي الذي لعبته أنظمة الحماية الاجتماعية في العديد من البلدان والتي نجحت في ضمان وصول الناس إلى حاجاتهم الأساسية، خصوصاً تلك التي تتعلّق بالغذاء والصحّة. لسوء الحظ، لم تكن هذه هي الحال في لبنان حيث وجد جزء كبير من السكّان أنفسهم في حالات الضعف الشديد وعاجزين عن طلب المساعدة.
كما كشفت سلسلة الأزمات التي واجه الدول عن عيوب وثغرات كامنة في نظام الحماية الاجتماعية. حيث أنّ بعض الأمور الأساسية التي كانت الدول في أمسّ الحاجة إليها خلال تلك الأوقات العصيبة كانت تتعلق بتوفير الحماية لأولئك الذين فقدوا مداخيلهم ووظائفهم، وكبار السنّ الذين بلغوا سنّ التقاعد ولم يحصلوا على معاشات تقاعديّة على الإطلاق أو حصلوا على مبلغ زهيد تدنّت قيمته بشكل كبير بسبب التضخّم العالمي وانهيار قيمة العملة الوطنيّة. للأسف، بالنسبة للكثيرين، كان سبيلهم الوحيد اللجوء إلى حلول قاسية وآليات صعبة للتأقلم مع الوضع، تمثلت بحرمان أطفالهم من الدراسة بغية إرسالهم للعمل، وعدم إعطائهم اللّقاحات الضرورية، بالإضافة إلى اللجوء إلى تزويج الأطفال، والاستدانة بشكل مفرط، وسوء التغذية، والتي لها جميعها آثار سلبية على الأطفال، والأهل، والمجتمع ككلّ.
في ظلّ هذه الأوضاع، سعى "البرنامج الأممي المشترك لأهداف التنمية المستدامة"' على تطوير استراتيجية حماية اجتماعية شاملة تستجيب للصدمات وتشكل إطاراً شاملاً للحكومة وتقدم رؤية للحماية الاجتماعية في لبنان، وهي استراتيجية تُعتبر في جوهرها داعمة للنوع الاجتماعي وتأخذ في الاعتبار احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة.
وقد نتجت الاستراتيجية عن عملية شاملة وتشاركية ضمّت الحكومة والوزارات المختصّة والمجتمع المدني والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية، بالإضافة إلى المجتمع التنموي الشامل (من منظمات أممية وغيرها معنية بشؤون التنمية) والجهات المانحة. وقد تمّ تشكيل هيئة للتنسيق المستمرّ مع ممثّلين عن كلّ من هذه الجهات الفاعلة لضمان استمرار المناصرة اللازمة وحشد الدعم من أجل تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية: وهي بمثابة استراتيجية معنية بالناس، وتهدف إلى تلبية حاجاتهم الحيوية والمحافظة على حقوقهم الأساسية.
ومن الأمور الأخرى التي حقّقها البرنامج المشترك لأهداف التنمية المستدامة هو أنه جمع بين وكالات الأمم المتحدة المعنية والتوصّل إلى تفاهم وتوافق حول توسيع نطاق العمل في مجال المساعدة الاجتماعية، بما في ذلك استحداث المنح الاجتماعية التي تعالج مكامن الضعف الخاصة بدورة حياة الأفراد. وفي التفاصيل، ساهم البرنامج في توسيع نطاق تغطية مخطط التحويل النقدي الحالي، المعروف باسم البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً، بعدة طرق تمثلت ببناء القدرات الفنية لـ 550 موظفًا حكوميًا – من اختصاصيين اجتماعيين ومنسّقين ميدانيين – يقومون بتقييم الأسر، إلى تزويد الحكومة بالبرامج والأجهزة التي تعزز قدرة خادم قاعدة البيانات وتعزز عملية جمع البيانات الرقمية. كما ساهم البرنامج في تحسين استطلاعات رصد عملية توزيع المساعدات والتي تعدّ ضرورية لجمع وفهم رأي المستفيدين بخصوص جودة وكفاية وفعالية المساعدات المقدمة إليهم. نتيجة لذلك، يستفيد حالياً من البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً المموّل بشكل رئيسي من البنك الدولي، أكثر من 64000 أسرة مقارنة بـ 10000 أسرة منذ وضع البرنامج موضع التنفيذ في العام 2020.
ولاستكمال هذا التحويل النقدي الواسع النطاق، وفي ظلّ زيادة حالات الضعف وسط التحديات المتعدّدة التي تواجه البلاد، تمّ تصميم برامج منح اجتماعية جديدة في إطار البرنامج المشترك لأهداف التنمية المستدامة بهدف استهداف الأشخاص الأكثر ضعفاً مثل كبار السنّ، والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاّصة، والأطفال الذين لم تشملهم أي خطة دعم أخرى.
في ظل أزمات لبنان التي بلغت ذروتها، من البديهي أنّ توسيع نطاق الحماية الاجتماعية للفئات الضعيفة والتي يصعب الوصول إليها، بات أمر ضروري، الآن أكثر من أي وقت مضى. ومع ذلك، في خضمّ الأزمات المستمرة والفراغ السياسي المتواصلّ، وفي ظل غياب حلول وإصلاحات قابلة للتطبيق، قد يواجه تنفيذ البرنامج الأممي المشترك لأهداف التنمية المستدامة تحديات خطيرة في حال لم يتم إجراء تغييرات هيكلية على نظام الحماية الاجتماعية في لبنان. ومع ذلك، من المهمّ الإشارة إلى أنّ الحكومة قد وضعت جدول أعمال الحماية الاجتماعية في صميم خطّتها الإصلاحية، والتزمت بجعلها أكثر استجابة للصدمات ولحالات الطوارئ، والأهمّ من ذلك، لاحتياجات الأفراد.
بينما يسعى لبنان جاهداً إلى التعافي، لا يجوز العودة إلى تطبيق الأطر والأنظمة السّابقة التي تخلّلتها شوائب والتي تسببت بخلق حالات الضعف وانعدام المساواة وأثّرت سلباً على الأشخاص الأكثر فقراً والأكثر ضعفًا. وعليه، إنّ إعادة البناء بشكل أفضل ي يستوجب سياسات وبرامج حماية اجتماعية كفيلة بمكافحة الفقر، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وضمان التوزيع العادل والمتساوي للخدمات الاجتماعية.
صاحب الخطاب
عمران ريزا
الأمم المتحدة
نائب المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، المنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية