تنمية قدرات الشباب والنساء في مدينة طرابلس في مجال الزراعة الحضرية
الأمم المتحدة في لبنان تنمّي قدرات الشباب والنساء في مدينة طرابلس في مجال الزراعة الحضرية
أثناء تجوالكم في أحياء منطقة الشلفة المهمّشة الواقعة في منطقة أبي سمراء في مدينة طرابلس شمال لبنان حيث فرص الحصول على حياة أفضل فيها بعيدة المنال، تجدون واحةً خضراء وسط فوضى المباني العشوائية.
يعيش كلٌ من عمر خالد ويمامة اليخني في هذه المنطقة. يمامة أمٌّ لأربعة أولاد، لم تُكمل تعليمها لكنها لطالما حلمت بأن تتعلم وتتخرج، لكن بسبب الضغوطات اليومية التي ترزح تحتها وانشغالها في رعاية أطفالها والتغلّب على التعقيدات الحياتية، جعلت أحلامها تبدو شبه مستحيلة.
وبينما كان العبء الثقيل لطموحاتها غير المُحقّقة يُثقل كاهلها، وجدت يمامة نفسها على مشارف الاكتئاب، تقول: "تركت المدرسة وتزوجت باكراً ً. اعتنيت بعائلتي، وفي كل مرة كان أحد أبنائي يتخرّج، كانت تنتابني مشاعر مختلطة؛ أشعر بالفرح من جهة، وبالحزن من جهة أخرى اذ أتساءل متى سيحين دوري في تحقيق حلمي بالدراسة والتخرج".
أما عمر، فهو طالب جامعي استثمر كل وقته في الدراسة. الأمر الذي كان له جانب سلبي، اذ كان يقضي معظم وقته في المنزل؛ ما أثّر بالتالي سلبياً على رفاهه. يقول عمر: "في هذه المنطقة، يميل الأشخاص من عمري إلى إضاعة وقتهم في أنشطة غير مجدية. ولم أرغب أن أسير على خطاهم".
وفي خضمّ هذه الصعوبات، سمع كل من يمامة وعمر لأول مرة عن مشروع "المرجة". وهو مشروع متعدّد القطاعات يهدف إلى تعزيز الزراعة الحضرية وحلول المياه والطاقة المتجددة الكافية لسكان منطقة الشلفة الواقع في أبي سمراء، طرابلس والمنفّذ من قبل برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية بتمويل من حكومة اليابان.
يتضمّن المشروع ثلاثة محاور أساسية: 1) تنمية مهارات النساء والشباب على مواضيع وتقنيات الزراعة الحضرية من خلال الشراكة مع جمعية دار الزهراء؛ 2) إنشاء مزرعة حضرية في المنطقة للمتدربين لتطبيق معارفهم بدعم من منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) ودائرة الأوقاف الإسلامية في طرابلس؛ و3) توفير المياه النظيفة والطاقة المتجددة للمرافق العامّة مثل المدارس والمستوصف الصحي. كما يهدف إلى رفع الوعي المجتمعي فيما يتعلق بتحسين الأمن الغذائي والنظافة والصرف الصحّي داخل المجتمع وفي المنزل في منطقة الشلفة.
من اليأس إلى إشراقة التمكين
بعزمٍ متجدّدٍ، تسجّل عمر ويمامة في المشروع لاكتساب المهارات والأساليب المناسبة للاضطلاع بأنشطة الزراعة المنزلية مثل الزراعة، والريّ، والحصاد، والتسميد، والتعبئة، والتسويق على نحو سليم. إنّ اكتساب هذه المهارات يساعدهما في تحسين إمكانية اعتمادهما على أنفسهما وجهوزيتهما لتوفير الدخل وبالتالي تحسين ظروفهما المعيشية.
ومن خلال حضورها الجلسات النظرية والتطبيقية اليومية ضمن هذا المشروع، اكتسبت يمامة المعارف والمهارات المتعلّقة بتربية الماشية وتربية الدواجن وتربية النحل وصناعة الجبن. تتابع القول: "أعرف الآن كيفية صنع أنواعٍ مختلفةٍ من الجبن مثل الحلّوم والموزاريلا. حتى أنني تعلّمت كيفية صنع الكاتشب والناغتس".
يضيف عمر: " تعلّمنا طرق الزراعة السليمة وتشحيل الأشجار وتعرفنا على المفاهيم الزراعية الخاطئة المنتشرة في منطقتنا. إنّ تبادل الخبرات فيما بيننا جعلها تجربة غنيّة. كنّا بمثابة عائلةٍ واحدة."
شعرت يمامة بشعورٍ كانت تتوق إليه؛ شعور بأنها وجدت هدفاً. تتابع قائلةً: " شعرت وكأنني أعيش التجربة المدرسية في الطفولة. إنها بيئة جديدة وجميلة جداً، لديّ أساتذة وصديقات. أستيقظ في الصباح الباكر لأحضّر نفسي بوجود هدف أريد تحقيقه. أصبح لديّ شعورٌ بالفرح بأن لديّ هدفٌ وشعورٌ بالإنجاز".
وجد عمر الملاذ الذي كان يبحث عنه بعيدًا عن دراسته. يتابع قائلًا: "التقيت بأشخاصٍ جدد، شاركنا وتحدثنا وأقمنا النشاطات ضمن هذا المشروع. وخلال النشاطات كنا نتبادل الحماس ونستمتع بوقتنا. وقد أصبحت مُسليّة بالنسبة لنا وغير مُتعبة."
تخرّج المشاركون مثل يمامة وعمر في نهاية المرحلتين الأولى والثانية من هذا المشروع وحصلوا على مجموعة معدّات لمساعدتهم على ممارسة المهام التي تعلموها خلال الدورات التدريبية. عمر، الذي يحلم بإحداث تأثيرٍ ملموس في مجتمعه المحلّي، كان لديه فكرة لمشروع خاص. ومن خلال التدريبات الزراعية التي تلقاها والصداقات التي بناها والتي سيعتمد عليها، أصبح الآن قادراً على المضيّ قدماً في مشروعه. يقول عمر: "بفضل توجيهات المهندسين والوصول إلى التقنيات الحديثة، اكتسبت مهارات يمكنني استخدامها للمضيّ قدماً في هذا المشروع".
"كنت سعيدة وقد انعكس ذلك على رفاهي. حققت حلمي بالتخرج. أنا طلبت الحصول على مجموعة معدات الألبان والأجبان كهدية التخرج. أرغب في البدء في مشروع من منزلي لجلب دخل إضافي لأسرتي."
بداية جديدة
أصبح مشروع الزراعة الحضرية في قلب المدينة بمثابة واحة من الأمل يُعزّز فرص النمو والتمكين.
تختتم يمامة بالقول: "أصبح لديّ ثقةٌ بنفسي وشعرت باللقوّة. قبل المشروع كنت امرأةً محطمة أما الآن فإنني أشعر بأن لديّ هدفٌ أريد تحقيقه. عندما بلغت سنَّ الأربعين، شعرت بأنها النهاية أما الآن، فبالعكس، أقول إنني الآن بدأت."
وبالمثل، يُنهي عمر حديثه قائلًا: "مشروع المرجة دفعني للبدء."