دولة نائب رئيس مجلس الوزراء، معالي الوزراء، أصحاب السيادة والمعالي، ممثلو الدول الأعضاء والجهات المانحة،
الزملاء في الأمم المتحدة، والشركاء في المنظمات الإنسانية الدولية والوطنية،
نشكركم على وجودكم معنا هنا اليوم، في بداية العام الجديد، والذي نأمل أن يحمل السلام والازدهار للبنان.
لقد كان عام 2024، للأسف، أحد أحلك الأعوام في تاريخ لبنان الحديث.
توالت الأزمات على هذه البلاد على مدار السنوات الخمسة عشر الأخيرة – تداعيات الأزمة السورية، الانهيار الاقتصادي، جائحة كوفيد-19، انفجار مرفأ بيروت، الشلل السياسي، ثم الدمار الكبير نتيجة الحرب. لقد دمرت الأعمال العدائية قرىً وبلدات بأكملها وتركتها ركامًا، من جنوب البلاد إلى بقاعها، ولم تسلم حتى مناطق الشمال – والتي كانت سابقًا تبقى في مأمن إلى حد كبير حتى في ذروة سنوات الحرب الأهلية.
ولعل الثابت الوحيد عبر هذه السنوات كان معاناة الناس والمجتمعات المتأثرة وتفاقم الاحتياجات الإنسانية.
واجهت العائلات على مدار السنوات الخسارة وفقدان الأحبة، والمدخرات، والمنازل، وسبل العيش. وفي 2024، شهدنا تكرر هذه المآسي على نطاق واسع وغير مسبوق. واليوم، بعد شهر من اتفاق وقف الأعمال العدائية، لا يزال أكثر من 125 ألف شخص نازحين، في حين يكافح مئات الآلاف من العائدين للاستمرار في حياتهم اليومية وإعادة بناء مستقبلهم وسط الخسارة والدمار.
وفي كافة المناطق المتضررة، كانت معاناة المدنيين وتحديات مواصلة الحياة وسط الدمار خاصة دمار البنية التحتية والخدمات الأساسية تحديًا لا يخفى، شهدنا عليه في زياراتنا الميدانية المشتركة مع الوزير ياسين والمسؤولين الحكوميين إلى هذه المناطق. المرافق الصحية التي تحولت إلى ركام، مباني المؤسسات الحكومية المدمرة، الأراضي الزراعية المحروقة، محطات المياه والإرسال المتعطلة.
ليست كل الأضرار ملموسة أو حسية. الصدمات النفسية العميقة تتخلل في نسيج تفاصيل الحياة اليومية، وتعيق التعافي والقدرة على المواصلة. صغارًا وكبارًا، جميع من تحدثت معهم كانوا يعانون من أرق الليالي الطويلة، يفزعون لاإراديًا عند سماع أي صوت عادي كإغلاق باب.
تبدو هذه صدمات مؤقتة، لكنها في واقع الأمور جروح نفسية غائرة قد لا يذهب أثرها حتى مع مرور السنوات.
السادة أعضاء وممثلي المجتمع الدولي
نعلم أنكم تشاطروننا هذا التقدير والإعجاب الكبير بلبنان بلدًا وشعبًا – بطبيعتهم وكرمهم وتنوعهم. اليوم، نتوجه إليكم بسؤال الاستمرار في دعمكم وكرمكم المقابل، خاصة للأشخاص والفئات الأكثر ضعفًا في هذه الأزمة الطاحنة التي تواجهها البلاد مع وصول فصل الشتاء، ومع تطلع الناس نحو أمل التعافي ومواسم الأعياد وعودة الحياة.
كان دعمكم بمثابة شريان حياة للبنان على مدى السنوات والأشهر الماضية. شهدنا على تضامنكم بعد انفجار مرفأ بيروت، ورأينا دعمكم في مساعدة الناس لإعادة بناء حياتهم وأحيائهم. كما شهدنا على دعمكم للمنظومة الصحية خلال جائحة كوفيد-19 ووباء الكوليرا، والدور المحوري لذلك في إنقاذ الأرواح. ولم توفروا أدنى جهد في دعم الحكومة والمجتمعات المضيفة التي استقبلت أكثر من مليون لاجئ فروا من الحرب الأهلية في سوريا.
ثم على مدى الأشهر الخمسة عشر الماضية من الصراع وذروته في التصعيد الأخير على مدار 66 يومًا من الأعمال العدائية المكثفة، وجدناكم على التزامكم مجددًا حين دعمتم المجتمع الإنساني لتمكينه من الاستجابة بسرعة وفعالية للاحتياجات الإنسانية المتفاقمة، وكانت ثمرة ذلك تقديم المساعدة المنقذة للحياة لنحو 900 ألف شخص خلال المرحلة الأولى من النداء العاجل الذي تلقى تمويلًا بنسبة 58 بالمائة.
لكن الاحتياجات الإنسانية متواصلة وعملنا لم ينته. وبحسب التقديرات فإن جهود الاستجابة الإنسانية للثلاثة أشهر القادمة تتطلب تمويلًا بقيمة $371.4 مليون دولار أمريكي بشكل عاجل لتمكين الاستمرار في جهود الاستجابة الأساسية وتقديم المساعدات المنقذة للحياة ومنع تفاقم الأوضاع الإنسانية المتفاقمة أساسًا.
هذا المتطلب التمويلي الجديد بموجب النداء العاجل سيكون مكملاً لخطة الاستجابة للبنان (Lebanon Response Plan). وفي حين يركّز النداء العاجل على الاحتياجات العاجلة والمدى القريب، تركز خطة الاستجابة على الاطار الاستراتيجي الأوسع والأكثر استدامة وعلى الاستقرار والدعم في المدى المتوسط والبعيد لتحقيق التعافي والازدهار.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن احتياجات التمويل السابقة غير الملباة بموجب النداء العاجل لأشهر تشرين الأول/أكتوبر – كانون الأول/ديسمبر 2024 لا تنتقل إلى طلب التمويل الجديد هذا.
واسمحوا لي أن أغتنم هذه الفرصة لأشيد بجهود الحكومة ورئيس الوزراء ولجنة الطوارئ الحكومية في قيادتهم المستمرة للاستجابة الإنسانية. إن الجهود السياسية والدبلوماسية التي بذلها دولة رئيس مجلس الوزراء (ميقاتي) – وتحركاته الموسعة والاستباقية على الساحة الدولية إلى جانب دعواته المستمرة لوقف إطلاق النار بشكل مستدام والتوصل إلى حل سياسي- كانت حاسمة في هذه الأوقات الصعبة.
إننا في الأمم المتحدة والمجتمع الإنساني الدولي نؤكد على التزامنا المطلق بدعم لبنان وخاصة الفئات الأكثر ضعفًا، وجهوزيتنا لدعم تلبية الاحتياجات الإنسانية واستعادة الخدمات والقطاعات الأساسية، بمنهجية مستدامة وشاملة. وقد بدأنا بالفعل بالتعاون مع الوزارات والشركاء الآخرين، بعمليات تقييم الأضرار وتحديد الاحتياجات ذات الأولوية لدعم جهود التعافي.
اليوم، يتعيّن علينا بشكل جماعي ضمان استمرار وقف الأعمال العدائية. إن السلام هو المسار الوحيد الذي سيسمح للمجتمعات المتضررة، وخاصة تلك التي لا تزال نازحة من المناطق الحدودية، بالعودة إلى ديارها والبدء في إعادة بناء حياتها.
إن شعب لبنان يطلب فرصته العادلة والمحقة لاستعادة كرامته وبناء مستقبل هذه البلاد التي ينتمي إليها وتنتمي إليه. إن دعمكم للبنان ليس مجرد وقفة تضامن – بل استثمار في السلام والاستقرار والإنسانية.
شكرًا لكم.