إعادة التفكير في اللامساواة في البلدان العربية
تشير الحكمة التقليدية، التي تستند أساساً إلى إحصاءات توزيع دخل الأسر المعيشية التي تشملها المسوح، أن اللامساواة منخفضة عموما في البلدان العربية. ولكن لم يول اهتمام يذكر لأوجه اللامساواة الاجتماعية، سواء في النواتج أو الفرص. ويقدم التقرير الحالي الصادر عن الإسكوا ومنتدى البحوث الاقتصادية، وهو بعنوان "إعادة التفكير في اللامساواة في البلدان العربية"، سرداً مختلفاً.
ويستند التقرير إلى أكبر مشروع بحثي حول هذا الموضوع حتى الآن يغطي 12 بلداً عربياً، وهو يحاجج أن المنطقة العربية وقعت في فخ اللامساواة. ففيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية، تشير اتجاهات من مثل انخفاض نمو دخل الأسر المعيشية، وتواصل الفقر، وتقلّص الطبقة الوسطى، وانخفاض الإنتاجية، وارتفاع العمالة غير النظامية إلى مستويات من اللامساواة في الدخل أعلى بكثير مما يتبيّن من معامِلات جيني القائمة على الإنفاق. ورغم انخفاض النواتج فيما يتعلق بالتفاوتات الاجتماعية، نتيجة التقدم السريع المحرز في مؤشرات التعليم الأساسي والصحة، إلا أن هذه التفاوتات آخذة في الارتفاع عندما يتعلق الأمر بالعديد من المؤشرات المتصلة باللامساوة في الفرص.
وتنطوي هذه الاتجاهات على نواتج اجتماعية محسنة، لا سيما للشباب، ولكن دون أن يرافق ذلك إحراز تقدم متناسب في الرفاه الاقتصادي أو في تكافؤ الفرص، ما يعزز الشعور بالافتقار إلى الإنصاف الاقتصادي والاجتماعي. وعندما يقترن ذلك بمستويات عالية من اللامساواة في الاستقلال الذاتي الشخصي وبانحسار فرص التعبير عن الرأي والمساءلة، تكون النتيجة النهائية، على ما يذهب المؤلفون، فخ لامساواة تؤدي فيه أطر الحوكمة وما يتمخض عنها من سياسات اقتصادية واجتماعية إلى ترتيبات اجتماعية-اقتصادية تحابي منهجياً مصالح من يتمتعون بقسط من النفوذ أكبر. ولا يمكن أن تكون تدابير السياسة العامة الرامية إلى التصدي لهذا الفخ قصيرة الأجل أو أحادية البعد، فهناك حاجة إلى نموذج إنمائي جديد طويل الأجل، تقع في صلبه إصلاحات أساسية في العدالة الاقتصادية والاجتماعية وفي الحوكمة.