الأمم المتّحدة تحسن تجربة الناس في بيروت الكبرى من خلال إعادة تأهيل بعض الأحياء
استجابة للأزمات العديدة التي عانى منها لبنان على مر السنوات الماضية، نفّذ برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية تدخلات متعددة القطاعات للتخفيف من الأزمات.
استجابةً للأزمات العديدة التي عانى منها لبنان على مر السنوات الماضية، وتحديداً أزمة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب والأزمة الاقتصادية والمالية غير المسبوقة، نفّذ برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في لبنان تدخلاتٍ متعدّدة القطاعات للتخفيف من آثار الأزمات التي تهدد سلامة الناس وسبل عيشهم وارتباطهم بمحيطهم الحضري.
هذا العام، تعاون برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في لبنان مع مركز الأمم المتحدة للإعلام في بيروت للاحتفال بشهر أكتوبر الحضري الذي يشكّل فرصة لتشجيع التحضّر المستدام كأحد الأولويات الرئيسية لتنمية لبنان وتسليط الضوء على الهدف 11 من أهداف التنمية المستدامة وهو "مدن ومجتمعات محلية مستدامة".
يبدأ شهر أكتوبر الحضري كل عام باليوم العالمي للموئل (World Habitat Day) الذي يحتفل به العالم في أول يوم إثنين من شهر تشرين الأول/أكتوبر وينتهي باليوم العالمي للمدن (World Cities Day)في 31 تشرين الأول/أكتوبر. في ما يلي، يحدّثنا كل من جورج ونور وتغريد عن تأثير تدخلات برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في لبنان على ثلاثة مستويات هي: المساحات العامة والحوكمة التشاركية وإعادة تأهيل البنى التحتية، ما أفضى إلى تحسين نوعية حياتهم في محيطهم الحضري.
"حديقة لزيزا": منفس أخضر للهموم
يجد جورج نعمة، 65 عاماً، راحته في القيام بمهامه اليومية متجولاً في حي الرميل حيث يعيش منذ 50 عاماً، إذ أصبح بإمكانه التجول بحرية بين الأزقة والسلالم إلى ما بعد غروب الشمس بفضل تركيب المصابيح على طول ممرات الحي. ويتردد جورج يومياً إلى حديقة لزيزا التي أُعيد تأهيلها وتنشيطها مؤخرًا، حيث يلتقي بجيرانه جالسين تحت الأشجار يراقبون أحفادهم بينما يلعبون.
وبينما يجلس على مقعد ملون مصنوع من مواد أعيد تدويرها للاستخدام، يستذكر جورج مراحل التغيير التي مرت بها الحديقة التي شهدت أحداثاً عايشتها بيروت. يقول جورج: أتاح لي السكن في هذا الحي أن أشهد تطور المكان على مرور الزمن، إذ كان في الساحة مصنع بيرة (جعة) لتصبح فيما بعد أرضًا بوراً، وهي اليوم واحدة من بين المساحات الخضراء العامة القليلة في المدينة".
تأسس مصنع بيرة لزيزا المعروفة بـ"بيرة الشرق"، وهو أقدم مصنع للجعة في الشرق الأوسط، عام 1931 وتعرّض للقصف عام 1990 ما أدّى إلى إغلاقه مؤقتاً. أعيد تشغيل المصنع لفترة وجيزة عام 1999 قبل أن يتم هدمه كلياً عام 2017 من أجل تنفيذ مشروع تطوير عقاري هدفه تشييد شقق فاخرة. لكن المشروع الذي واجه معارضة شعبية لم يتحقق، مما حوّل المبنى التاريخي إلى أرض بور ومكب للنفايات مما زاد من نسبة التلوث والحشرات في المنطقة. ويقول جورج: "مع مرور الوقت، أصبحت الأرض مكب نفايات يسبب الروائح الكريهة ويجذب الحشرات، فعندما يترك الناس وحدهم لا يمكنهم تغيير واقعٍ سيئٍ إلى هذا الحد".
في آذار/مارس 2021 وبمنحة من الحكومة اليابانية قيمتها 2.16 مليون دولار، بادر برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في لبنان بمشروع للاستجابة لتلبية احتياجات التعافي الحضري الطارئ وإعادة الإعمار على أثر انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس. و تضمن المشروع العديد من التدخلات التي تركز على إحياء الأماكن العامة وإعادة تأهيل المباني السكنية التراثية ودعم الخدمات البلدية.
كجزءٍ من هذا المشروع وبالتعاون مع جمعية رشة خير، أعاد برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في لبنان تأهيل "حديقة ويليام حاوي" و"حديقة لزيزا" عبر تنظيف المكان وإعادة استخدام بعض المواد من أجل صناعة مقاعد وإنشاء مساحات مظللة وأحواض زراعية وتحويل المكان إلى مساحة للتلاقي بالإضافة إلى تنظيم العديد من الأنشطة والفعاليات من أجل إحياء المنطقة ومن ضمنها أنشطة يوغا و زومبا وأنشطة فنية وحرفية وسوق محلية. بادر برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في لبنان إلى تركيب ألواح شمسية على المباني الموازية للحديقة ومصابيح تعمل على الطاقة الشمسية عبر هذه الألواح مما جعل الحديقة أكثر أماناً لزوارها مساءاً.
ويقول جورج: "أصبحت حديقة لزيزا معلماً في حيّنا حيث يتواعد الناس ويلتقون لقضاء الوقت مع العائلة والاصدقاء وخصوصاً حينما تشهد المدينة ساعات طويلة من انقطاع التيار الكهربائي".
المكاتب الفنية: صلة الوصل بين السلطات المحلية والمجتمع المحلي
"العمل الميداني مفيد للغاية لانني التقي بالناس مباشرةً، فعندما أشهد تحسناً في ظروف عيش الأشخاص الذين يعيشون في ظل أوضاع هشة أشعر بدافعٍ اكبر لأستمر بما أقوم به يومياً"، تقول نور مكي، 28 عاماً، وهي أحد موظفي المكتب الفني في برج حمود.
قبل أن تبدأ نور عملها الحالي في المكتب الفني، لم تكن ملمّةً بظروف العيش في المنطقة وحاجات ناسها. سرعان ما تغيرت الأمور بعدما بدأت نور عملها كمحركة اجتماعية، وهي وظيفة تتطلّب الكثير من العمل الميداني ووالتواصل المستمرمع الناس في المنطقة. "دوري يتطلّب ان أضمن تنفيذ المشاريع البلدية بطريقة تشاركية عبر الاستماع إلى هموم ومتطلبات الأشخاص الذين يعيشون في ظل أوضاع هشة والاستجابة إلى حاجاتهم وفقاً لذلك".
مع الوقت، أصبحت نور أكثر درايةً بالمشاكل التي يواجهها سكان برج حمود يومياً. "لكن الامور تغيرت بسرعة! فقد بتّ على درايةٍ أكبر بخصوصيات الحي، كما أنني معجبة بتنوع الحي وغناه الثّقافي مما يجذبني إلى معرفة المزيد".
منذ العام 2007، يعمل برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في لبنان على تمكين البلديات واتحادات البلديات من خلال إنشاء مكاتب فنية. تتألف هذه المكاتب من خبراء تقنيين واجتماعيين محليين يساهمون في تعزيز دور السلطات المحلية في التخطيط وتوفير الخدمات الأساسية. تلعب هذه المكاتب دور صلة الوصل بين السلطات المحلية ومجتمعاتها. تم إنشاء 13 مكتب فني في مختلف المناطق اللبنانية حتى يومنا هذا.
ومؤخراً تم تأسيس المكتب الفني في برج حمود وهو واحد من ثلاثة مكاتب مدعومة من خلال مشروع تمكين البلديات والقدرة على الصمود الذي هو مبادرة مشتركة بين برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في لبنان وبرنامج الأمم المتّحدة الإنمائيّ في لبنان، وبتمويل من الإتحاد الأوروبي. وتلعب هذه المكاتب دور صلة الوصل بين السلطات المحلية ومجتمعاتها.
"أعتقد أن المساهمة الأساسية لهذا المكتب هي بدء وتعزيز التواصل بين البلدية والناس"، تقول نور. وتضيف: "هذا الأمر في غاية الأهمية لان الفهم الحقيقي لحاجات الناس يؤدي إلى استجابة فعالة ومستدامة".
تخصصت نور في الهندسة المعمارية وهي تجد في عملها فرصة فريدة لكسب خبرة في التنمية الحضرية مما يساعدها في التقدم في حياتها المهنية، شانها شأن العديد من اللبنانيين الذين يعملون في المكاتب التقنية الفنية، وتقول: "من خلال أدائي هذه الوظيفة أتمكن من المساهمة في تحسين الحياة في المجتمع المحلي لبرج حمود بينما أتعلم وأطور مهاراتي".
إعادة تأهيل خمسة أزقّة في مرعش، برج حمود
"لطالما كان المرور عبر أزقّة حيّنا بارداً ومخيفاً"، تقول تغريد خانتراشيان، أم لثلاثة أطفال، التي تقطن في حي مرعش في منطقة برج حمود منذ عشر سنوات. فتدهور شبكات البنى التحتية في المنطقة وتحديداً غياب الإضاءة المناسبة وأنظمة تصريف مياه الأمطار لطالما حدت من قدرة تغريد وسكان المنطقة الآخرين على التجول في الأزقة المجاورة لمنازلهم. وتقول تغريد: "على الرّغم من أنني عشت في المكان نفسه لسنواتٍ عديدة، لم أتمكّن من خلق رابط مع الحي الذي أقطنه لأنني لم أشعر بالأمان لأتجول في محيطي".
بتمويل من منظمة "المساعدة البولندية" والحكومة اليابانية، تبنى برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في لبنان UN-Habitat مقاربة متعددة-القطاعات من أجل تحسين ظروف العيش في حي مرعش في برج حمود، أحد الأحياء الأكثر هشاشة في منطقة بيروت الكبرى. بالشراكة مع المركز البولندي للمساعدة الدولية ((PCPM وبالتنسيق الوثيق مع بلدية برج حمود وأصحاب المصلحة المحليين، عمل برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في لبنان على إعادة تأهيل واجهات المباني والمساحات المشتركة بطريقة صديقة للبيئة، بالإضافة إلى تحسين السلامة على الطرق والتنقل السلس وتخفيف المخاطر الكهربائية ومخاطر الحريق، فضلاً عن تحسين أنظمة إدارة وجمع النفايات وإعادة تأهيل شبكة الصرف الصحي ومياه الأمطار.
"إن تركيب مصابيح LED التي تعمل بالطاقة الشمسية وتضيء الأزقة طوال الليل تطمئنني لذلك بتُّ أسمح لأطفالي باللعب أمام المنزل"، تقول تغريد. بالإضافة إلى ذلك، أصبح أولاد تغريد قادرين على المشي إلى مدارسهم من دون تلويث أحذيتهم من بعدما تم تركيب نظام الصرف الجديد لأنه يمنع مياه الأمطار من إغراق الشوارع.
تؤمن تغريد ان تغييرات صغيرة بوسعها ان تترك أثراً إيجابياً. بالنسبة لها، فإن إعادة تأهيل البنى التحتية في مرعش غيرت تجربتها في الحي ومشاعرها تجاه العيش فيه: "أشعر بالإنتماء والامان وأنني مسموعة".